إن الحرية من المفاهيم التي شغلت بال الفلاسفة ، والمثقفين ، والناس العاديين منذ قديم الزمان الى اليوم ، وهي نزعة ، وفطرة ، يحتاج إليها الإنسان كما يحتاج الى حاجياته ، وأغراضه الطبيعية ليستمر في الحياة ، من أكل وشرب و راحة ونوم ونظافة … الخ ، يفسرها البعض بأنها القدرة على الفعل أو الإمتناع عنه في استقلال عن الإكراهات الداخلية والخارجية ، ويراها البعض الآخر بأنها فطرة ، وميول طبيعي للإنسان لعدم الخضوع و الرضوخ لغيره ، وإصراره على اتخاذ القرار لترتيب أموره وتسيير حياته ، وهي نقيض الأسر، والعبودية . وقد جاء ديننا الإسلامي في القرون الوسطى التي عانى فيها العالم من الظلم ، والإضطهاد ، والجهل والتخلف ، وسيطرة الكنيسة الأوروبية ورجال الدين على كل شيء ، و حدد حريات الأفراد ، و الجماعات بضوابط شرعية معقولة ، و معروفة في القرآن ، و سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنقذ بها الإنسان من عبودية البشر، و النفس ، و الشيطان ، الى عبادة الله وحده لا شريك له ، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " متى استعبدتهم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " . إن الله سبحانه وتعالى لم يلزم أي أحد على عبادته ، واتباع سنة رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد أعطى للإنسان حرية الإختيار بين طريقين : طريق الخير، وطريق الشر،(( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)) الآية : 29 من سورة الكهف ، والله غني عن عباده ، لكنه سبحانه جل وعلا سيحاسب يوم القيامة كل إنسان على أعماله و أفعاله ، فإذا كانت محمودة وحسنة تتوافق مع أوامره و نواهيه ، ومع سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فمصيره الجنة ، و إذا كانت مذمومة وسيئة على طريق إبليس فسيدخل الى الناروالعياذ بالله . لقد نص دستورنا المعدل في سنة 2011 على مجموعة من الحقوق والحريات بقواعد وأصول يعرفها كل مواطن مغربي مهتم ، وهي كما يلي : الحقوق : الحق في الشغل ، والصحة ، والتعليم ، والرعاية الإجتماعية ، والحق في المساواة أمام القانون ، وعدم التعرض للمعاملة القاسية ، أو اللاإنسانية الحاطة بكرامة المواطن ، ونص على معاقبة كل من انتهك حقوقه . الحريات : الحريات المدنية ، والسياسية ، والإقتصادية ، والثقافية ، والبيئية ، وحرية ممارسة الشؤون الدينية ، وحرية التفكير، والرأي ، و التعبير، وحرية التجمع ، وتكوين الجمعيات ، و الإنتماء النقابي . لكن مما يلاحظ هو أن بعض الحقوق ، و الحريات المذكورة لم يتم تفعيلها ، و تنزيلها على أرض الواقع ، والبعض الآخرلا تمنح للمواطن بسهولة وبدون مشاكل ، مما يؤدي أحيانا الى قمعه كلما طالب بها ، أو خرج للتعبير السلمي عن سخطه ، و غضبه على الساهرين والقائمين عليها محليا ومركزيا ، وفق ما ينص عليه قانون البلاد مادام ذلك لا يؤذي ، أو يؤدي الى الفتنة ، أو الحد من حرية الأخر، حيث يتعرض المحتج لزروطة المخزن الذي ينهال عليه من كل الجوانب ، وكأننا لا نملك في بلادنا من الوسائل سواها ، في حين نجد أن في البلدان العريقة الديموقراطية لا تلجأ الى ذلك الا في الحالات الخاصة المستعصية ، وتعتمد قواتها في تفريق المحتجين و الغاضبين على وسائل أقل ضررا بهم ، كخراطيم المياه ، و الغازات المسيلة للدموع المسوح بها ، وقنابل الدخان … الخ ، بعد فشلها بطبيعة الحال في إيجاد حلول مناسبة ، ومقبولة ترضي الجميع ، أو فقدت السيطرة على مايحدث حولها . إن مشاهدة تلك الظواهر في شوارعنا يقودنا الى طرح السؤال التالي : هل بالفعل نحن المغاربة لا نستقيم الا بالزروطة ؟ وما علاقتها بالحرية ؟ العصا، أو الزروطة ، أو لهراوة بلسان المغاربة ، هي أداة مصنوعة من الخشب ، تاريخها عريق ، تكون إما طويلة ، أو قصيرة ، أو غليظة ، أو رقيقة ، وجدت مع وجود الإنسان على الأرض الذي استعملها لأغراض مختلفة ، كعقاب من يخالفه في الرأي ، أو من لايطيعه ، أو ارتكب أخطاءا في حقه ، وفي الدفاع عن نفسه من أعدائه ، ومن الحيوانات المفترسة ، أو الضارة التي تهدده في غياب السلاح الناري ، و في الصيد والقنص ، ولقيادة بعض الحيوانات الأليفة في تنقله وأشغاله ، كالحرث ، و الدرس ، و البحث على الماء ، و استخراجه من باطن الأرض ، و الجر، و الرعي …الخ ، و ساعدته أيضا في عجزه ومرضه حيث توكأ عليها لتسهيل حركته ، و تنقله من مكان لآخر. لقد عرف المغاربة الزروطة منذ زمان و استعملوها لنفس الأغراض المذكورة سابقا ، و لأغراض أخرى أهمها التربية ، فالكثير من الآباء اعتمدوا عليها في تربية أبنائهم المشاكسين ، و استعملها أيضا الفقهاء في الكتاب ، و المدرسين في المدارس العصرية لعقاب التلاميذ المشاغبين ، أو الذين يرتكبون الأخطاء ، أو المتهاونين في واجباتهم المدرسية ، حيث إن المدرس الجلاد كان ينفذ عقوباته بضربات موجعة بالزروطة ( العصا) ، إما في الكفين ، أو الخاصرة ، أو على شكل فلقة في القدمين ، كان التلميذ أنذاك يستقيم ، و يطيعه ، و يقوم بواجباته على أحسن وجه ، و في آخر السنة يحصد نتائج جيدة ، أما اليوم فقد تساوت الأكتاف بين الطرفين ، بل أصبح مع الأسف الشديد بعض المدرسين يخافون من بطش و انتقام التلاميذ لهم داخل و خارج قاعة الدرس . تشيرتقارير أوروبية بأن نسب مهمة من الجرائم ببعض بلدان الإتحاد الأوربي المتعلقة بالتجارة في المخدرات ، و السرقة الموصوفة ، و استعمال العنف ضد السكان ، و رجال الشرطة … الخ ، يرتكبها شباب وقاصرين من أصول مغاربية و منهم مغاربة ، مستغلين تمتعهم بالحقوق ، و الحريات الكاملة بهذه البلدان ، في حين هناك من نوه بتربية و أخلاق أجدادهم ، و آباءهم الذين تربوا في المغرب بأساليب مختلفة ، و في بيئة قاسية ، و صارمة . أعتقد أن الزروطة صالحة لكل مواطن مجرم ، يعيث الفساد في البلاد ، و منبوذ في المجتمع ، و يستغل تمتعه بالحقوق ، و الحريات للسرقة والتحايل ، و اعتراض سبيل الناس و الإعتداء عليهم ، و اغتصاب الأطفال و النساء ، و الإتجارفي المخدرات و السموم والخمور… الخ ، و لا يخضع للقانون رغم حبسه ، و استنفاذ كل الوسائل لإصلاحه و إعادة إدماجه في المجتمع ، بل يجب أن يطبق عليه حد القصاص كما تنص عليه شريعتنا الإسلامية ليكون عبرة للآخرين ، و مفيدة أيضا إذا نزلت و انهالت على رأس كل مسؤول كبير يؤدي القسم أمام عاهل البلاد ، ليخدم وطنه بصدق و أمانة ، لكنه يخونه و يتقاعس عن أداء واجبه الوطني بمجرد جلوسه على كرسي مكتب الإدارة التي عين فيها ، أو يرتكب أخطاءا فاضحة و خطيرة من شأنها أن تؤدي الى الفتنة و الخراب ، أوضد الذي يشطط في استعمال السلطة ، ويهن المواطن ، و يحط من كرامته، ويتكبر عليه ، ولا يعلم أنه سيهلك كما هلك فرعون وهامان وقارون وآخرين كانوا أشد قوة و بأسا منه ، أوالذي يقود إدارة فضوية بموظفين أشباح ، يقمع المواطن الفقير، ولا يبالي به كلما اشتكى إليه بظلم من يديرهم ، أو باحتقار مواطن له ، ذو حظ عظيم ، من مال ، و قوة ، ونفوذ ، أو يلهث لتقبل الرشاوي من الناس مقابل خدمة يحصل منها على أجر، أو الإمتناع عن تنفيذ القانون ، وضد من يقومون بشراء ضمائر المواطنين في أسواق النخاسة الموسمية التي تفتح بشكل سري أثناء الإنتخابات ، لقيادة مجالس متعفنة رائحتها تفوح في كل أرجاء المعمور ، عاجزة على تحقيق أبسط شروط العيش للمواطنين الصادمين بالوعود الكاذبة في أيام الشدة والمحن ، وتلبية حاجياتهم الأساسية من تعليم ، و صحة وعلاج ، وأمن ، و كهرباء ، وماء ، ونظافة ، وبيئة سليمة … الخ ، و يتحايلون على ملك البلاد كلما سمعوا باقترابه منهم ، خوفا من زيارة أو عبور محتمل ، حيث يسوون الأرض ، و يجففون المستنقعات و برك الماء ، و يزفتون الطرق، ويبلطون أرضية بعض الساحات ، و يصبغون الجدران ، والأسوار، وواجهات المنازل ، والمرافق العمومية ، ويزخرفون الأرصفة بالأحمر والأبيض ، ويضعون إشارات المرور، وممرات الراجلين الغائبة في طرقهم حتى وإن حددوها من قبل فلا أثر لها بسبب إستعمال صباغة من النوع الرديء ، و يأتون بأشجار جاهزة ، بفواكه ناضجة ، من أماكن بعيدة ، لتزيين المراكز ، وجوانب الطرق الرئيسية ، ثم تقتلع بعد نهاية مهمتها ويكون مصيرها النار، و بالرمل و الحصى للتغطية على الحفر، و الأوحال المتعفنة ، وينيرون الشوارع بأشكال مختلفة من المصابيح ، و يصلحون المعطلة منها ، و يجمعون أكوام الأزبال من الأزقة والأحياء المهمشة ، و من النقط السوداء التي تفرخت فيها أشكال مختلفة من الديدان ، و الذباب ، والناموس ، و يبيدون أفواج الكلاب الضالة التي هرشت لمدة طويلة ، وورثت الفضاء وقسمته مع الإنسان شاء أم أبى ، وتنفذ حملات أمنية محتشمة ، و مؤقتة ضد المحتلين للملك العام ، والفرشة ، و المجرمين ، و المنحرفين ، وقطاع الطرق، وأوكار الدعارة السرية ، ومروجي المخدرات ، والمتعاطين لها ، كل ذلك من أجل تلميع الصورة ، والظهورعلى أنهم يسيرون جنة الفردوس ، ويستمتعون مع سكانهم بخيراتها ، طمعا في كسب رضا ملك الأمة ، أو الظفربترقية أوبإحدى أوسمته ، وكأن المواطن بليد ، وجاهل لواقعه المرير ، وغافل عن ما يدور حوله ، فهو يوثق ، ويسجل كل كبيرة وصغيرة عن المحيط الذي له علاقة به ، واحتضنه لمدة ، ولوغير هويته من شدة " الحكرة " و فضل العيش في أقصى بقعة في الأرض ، ليكون ذلك عبرة ، وتاريخ لمن سيأتي بعده ، و يعرف جيدا أن " أيام الباكور" تنتهي بمجرد الغاء الزيارة الملكية ، أو إنتهائها ، حيث تعود حليمة الى عادتها القديمة، و تستمر معاناة المواطن من الظواهر التي تشمئزمنها النفوس ، وتقشعر منها الأبدان ، في انتظار موعد آخر. إن أية محاولة لتلميع الصورة ، و تزوير الحقائق ، و السعي للظهور بوجه غير حقيقي وواقعي أمام جلالة الملك ومرافقيه ، ورعاياه بصفة عامة ، هو ضحك على الذقون ، و بهتان ، و تزوير، وعبث ، واستهتار، وفساد ، و خيانة له ، و للشعب المغربي كافة ، و من يفعل ذلك يستحق المحاسبة ، و السجن ، وزروطة المخزن التي يجب أن لا ترفع عنه مادام حيا ، و الإعفاء من مهامه سواء كان موظفا عند الدولة ، أو مسؤولا بجماعة ترابية ، أو مجلس معين ، أما من ينزل الى الشارع بشكل تلقائي و سلمي كلما وصل قلبه الى الحنجرة ، بدون عنف و بنضج تام ، ليمارس حقوقه الوطنية ، و يعبر عن رأيه ، و فق ما ينص عليه القانون ، والدستور الذي صوت عليه في فاتح يوليوز سنة 2011 ، فلا داعي لتعنيفه ، أو إنزال زروطة القمع عليه خاصة وأن بعض الجلادين لا يفرقون عادة بين الرأس ، ولا العين ، و لا الأعضاء الحساسة في الجسم ، قد يؤدي ذلك الى أضرار خطيرة و الى عاهات مستديمة . علينا أن نعرف أن لغة الزروطة المعروفة عندنا هي عدوة الحرية المقبولة ، تتلقفها كما تلقفت ( أكلت ) عصا نبي الله موسى عليه السلام التي تحولت بإذن الله الى ثعبان عصي و حبال سحرة فرعون التي سحرت عيون الناس و بدت لهم كأنها ثعابين ، تزرع الرعب ، و الخوف ، و تحط بكرامة المواطن الصالح ، و تهينه ، خاصة إذا كانت مرفوقة باللكم ، و الركل ، و الرفس ، و القذف ، و السب ، و الشتم ، تؤثر على سمعة البلاد و تشوهها أكثر من تلميعها دوليا ، لأن ذلك يتعارض مع بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، مما يؤدي ببعض المنظمات الدولية الإنسانية الى إصدار تقارير، وبيانات مضرة لنا ، وتخدم مصالح أعداء وحدتنا الترابية ، تتهمنا فيها بخرق حقوق الإنسان ، مؤثرة على قرارات حكومات بعض الدول ، و خير دليل على ذلك ماخططت له الولاياتالمتحدةالأمريكية في هذه السنة بمجلس الأمن لتوسيع مهمة بعثة المينورسو في الصحراء المغربية لتشمل مراقبة حقوق الإنسان ، والذي استنكره كل المغاربة من داخل وخارج الوطن ، رغم أننا دخلنا في عهد جديد غير العهد البائد الذي قبض فيه البصري الملقى به في مزبلة التاريخ على ما كان يسمى " بأم الوزارات " بيد من حديد ، وواجه المواطنين الذين انتقدوه ، و لم يخضعوا أو ويركعوا له ، خاصة في بداية مشواره بالجلد والرصاص ، والزج بهم في سجون سرية مظلمة ، تفتقر الى أدنى الشروط التي ينص عليها القانون الدولي ، ولم يجن من ذلك سوى سخط الشعب ، و التدهورفي جميع المجالات . خلاصة : الحرية فطرة وضرورية لكل إنسان على وجه الأرض ، هي نقيض العبودية و الأسر، تؤخذ ولاتعطى ، تتعارض مع كل أشكال العنف ، والقمع ، والتخويف ، و الترهيب … الخ ، محددة بضوابط دينية شرعية ، وقانونية ، لا يجب الإفراط فيها ، أو إستعمالها للحد من حرية الآخرين ، أو إثارة الشغب و الفتن ، والزروطة صالحة إذا نزلت و انهالت على رأس كل مسؤول ، أو موظف في الدولة ، أو مسير لجماعة ترابية ، أو مجلس معين ، فاسد يتحايل على القانون ، ويتقاعس عن أداء واجبه الوطني ، وخدمة المواطن كما ينبغي ، أوعلى عنق كل مجرم يخرب المجتمع ، ويفسد الأمة ، لاينفع معه إصلاح ، أو هداية ، عوض أن توجه ضد كل مواطن فقيرجائع ، أو مصلح ينادي بتنزيل مضامين الدستور الذي صوت عليه على أرض الواقع ، أو غاضب ضد قضية معينة تهم وطنه ، حفاظا على ماء وجهه ، و كرامته ، وحقوقه ، وحرياته المشروعة ، لضمان إستقرار بلاده ، وتحقيق العيش الكريم له ، وللمجتمع الذي يعيش فيه .