لاشك أن خبر ما قامت به بعض النساء اللواتي استعرن صفة ناشطات لم يستثني أذنا ولا عينا سمعنا من قبل بخبر تعري علياء المهدي أمام سفارة السويد احتجاجا على الدستور ، وما قام به أمريكون أمام بلدية سات فرانسيسكو دفاعا عن حقهم في حرية الجسد والعيش عراة، وما قامت به مؤخرا ً الحركة الأكرانية التي انتهجت من العري والكتابة على الأثداء وسيلة لاستقطاب الإعلام والرأي العام إلى قضايا المرأة ، لاكن ما أتانى من حيث لم نشعر، هو ما أقدمت عليه التونسية مريم متبنية ً في ذلك نفس نهج الإحتجاج، والصور التي تناقلتها وسائل الإعلام ومواقع” الإلهاء الإجتماعي” ومكتوب على نهديها جسدي ملكي. إن الإحتجاجات التي تأجج حولها النقاش هذه الأيام برهانٌ صارخٌ على أن الحياة الغابوية في كل ما يتجوهر في معانيها لم تفارقنا ولم نتخلص بعد منها رغم العولمة الثقافية ، فكل ما فعله الإنسان الحداثي هو نقل الجاهلية من قالبها الكلاسيكي إلى قالب حديث لاكن القلب يبقى هو القلب والسويداء هي نفس السويداء. صحيح أن تفاقم هدا النوع من الإحتجاجات أثارَ مخاوفَ الكثيرين وأن هذا النوع الساخط الساقط الذي لا ينتمي إلى أدبيات الإحتجاج في شيء يأخذ في تزايد، ومنه فالإشكاليات التي يأبى القلم إلا أن يخطها في هذا السياق هي : هل حرية الإحتجاج تقتضي بالضرورة التعري كأداة للتعبير ؟؟ هل حقا ً أبعاد الحرية في قاموس الحداثة يعني أن لكل فردٍ الحق في حرية جسده وأن يفعل به ما يشاء و لا يحق لأي كان أن يقيد حريته أو أن يخضعها ويعنفها ؟؟؟؟ ثم ما هي الرسالة التي يودون إيصالها على الرغم من أنهم فعلوا ولايزالون يفعلون بأجسادهم ما يشاءون ولا أحد يحاسبهم ؟؟؟؟ ثم ماذا عن حرية أجساد المعتقلين والذين سجنوا دون محاكمة ، وماذا عن معتقلي السجون الأمريكية الذين يطبق في حقهم أشنع وسائل التعذيب والتقتيل والاغتصاب ؟؟؟ ثم لمذا ركز الإعلام على نهود النساء ولم يركز على أجساد الذين يقتلون ويصلبون ويحرقون وتقطع أيديهم وأرجلهم في كل أقطار المعمورة ؟؟؟ وماذا لو تفاقم الوضع يا ترى وخرج الرجال هم أيضا يحتجون عراة ؟؟؟ وماذا لو تفاقم الوضع إلى الإحتجاج بحرية الجنس في الأماكن العامة لا بالتعري فقط ؟؟؟ إن ظاهرة التعري تعد من أخطر الظواهر التي شاعت وراجت في المجتمعات الغربية وليست العربية منها ببعيد ، وإن كل الديانات والتيارات والحركات الفكرية رغم تأييدها للحرية في نطاقها الواسع لا يخفون وجلهم من تفاقم هذه السلوكيات المخلة بالمألوف من الأخلاقيات العامة، لكن الخوف لايقف عند هذا الحد إنما يتعداه إلى ما نادت به حركة نسائية أمريكية في الحق في التعري في الأماكن العامة…هنا ” واها ً بديلٌ عن قولتي أوْهِ” على عكس ما قال أحمد بن الحسين ، إن حياة الغابة لأرحم من الحياة التي يألهونها ويمجدونها اليوم، ففي الماضي السحيق الغابر كان الإنسان الغابوي رغم جهالته على وعي تام بأن ستر عورته يشكل ضرورة حتمية في احترام الأخرين وعوراتهم وأسرارهم الجسدية، فنجده استعان في ذلك بأوراق الأشجارلأنه لم يجد ” zara ” أو ” berco ” فما بال إنساننا الراهن يود التعري رغم ما توفرت له من ألبسة تجعله يمر على الناس شبه الملك ، فمن عظيم الجهالة أن نتعرى وننيط هذا الفعل المشين القالي بالحرية ، فالحرية أعضم من أن يرمز لها بالعري والإنحلال الخلقي والإباحية، الحرية أعضم من أن نحصرها ونطوقها في النظر إلى أثداء النساء والتحملق في أستهم وفروجهم البارزة، الحرية الجسدية تتجلى في احترام أجساد الأخرين، وفي عدم إثارة شعور القرف والإشمئزاز في نفوسهم بأجساد عارية وعورات وضاحة… الحرية الجسدية تكمن في استخدام أجسادنا لمساعدة الغير وفي عدم إلحاق أي أذىً كان ماديا ًأم معنويا ً بجسده ، فالإسلام نوه إلى أمور قد نبالغ في استحقارها والاستنقاص من قيمها ، منه ما قاله عز وجل على لسان لقمان وهو يعض ابنه “” ولآ تصاعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير “” فما بالك بالعري والتطاول على الذات بكلمات كلها هرطقة وزندقة وخبل ثم إذا كان جسدهم ملكهم حقا كما يدعون لمذا يأخذه القبر منهم لما لم يتطاولوا على الموت والقبر بدل التطاول على الإنسان الذي لا حول له ولا قوة… لما لم يكتبوا مثلا ” جسدي فداء لكل مضطهد ” أو ” جسدي ملكي لن تأخده أيها الموت مني ” الحرية الجسدية هي أن تسخر أجسادنا للتواصل والحب والإئتلاف مع الأخر والإنفتاح عليه لا أن نجعل من أجسادنا أداة تنافر وتباغض وتطاول على الذوات الأخرى وأداة تسيد والتعالٍ عليها . الحرية الجسدية هي أن أمارس كل حقوقي كفرد وككائن إجتماعي ، وأن أوفر لجسدي كل رغباته شريطة أن لا تضر بالأخرين وأن لا تخترق حرية أجسادهم . الحرية الجسدية أن يفعل الإنسان بجسده ما يشاء شريطة أن لا يتنافى هذا الحق والفصول المتعلقة بالحريات العامة وحقوق الإنسان وأداب التعايش والأخلآق العامة،وأن لا أجبر الأخر على الانغماس في حريتي لأن الحرية دائما مستقلة بذاتها لاكنها لا تخرج عن إطار الامتثال لما تفرضه حريات الأخرين حرية الجسد أن أفعل بجسدي ما أشاء حينما أكون وحيدا وأن أمتثل لقانون حريات الأخرين في الأماكن العامة . يبقى مفهوم حرية الجسد يكتنفه عارض غامق قاتم سوداوين رغم البعد الشمولي في فهم الحرية كما سوقه دعاة الحداثة والتحديث الغربيين والعرب عن طريق إعلامهم وكتاباتهم الفوضوية والغامضة ويبقى عسرا ًعلى العقل هضمه لعدة أسباب ، عموما فحرية الجسد تبقى نسبية وليست كلية ومطلقة ، وإن الإستغلال الجائر والمفرط لأداة كهاته لهي انتهاك لحرمة أجساد الأخرين ولأخلاقياتهم ، فمن ذا يا ترى يحبذ النضر إلى أجساد عارية سوى منغمس في مشاهدة الأفلام البونوغرافية والخليعة ومن أله غريزته و نصبها إلها على عقله وقلبه وفطرته ،فلا يهمه في المشهد سوى معايرة أثداء النساء والتلذذ بالتحملق إلى ما بين أفخاذهن الراقصة على إيقاع فتنة العصر الحديث ” عصر الفساد الأخلاقي “