تمهيد/ المرأة شغلت الناس وملأت سماء الدنيا شرقا وغربا شمالا وجنوبا ، فأصبحت قضية عالمية في بحث مستمر، ونقاش دائم ،ونزاع قائم بين المتجادلين ، منذ أمنا حواء ، رمزا لوثاقة الرباط بين الزوجين ، وسميت حواء لأنها مصدر الحياة البشري ، عصت أوامر الله وأغرت آدم فجاراها كما تقول بعض المصادر ، فألفت فيها كتب وأسفار ومجلدات ، وكلما حلت المناسبة سارعت الصحف والمجلات إلى الحديث عنها بإسهاب ،وفي المحافل باقتضاب و إطناب …. وحتى جمعها يخرج عن المألوف ، يأتي من غير لفظها :نساء ونسوة بكسر النون وضمه ونسوان ونسون ونسنين ، كثر النقاش من طرف المفكرين في قضية سفورها ونقابها وحجابها وقناعها ووظيفتها وخروجها وحريتها …فانقسموا إلى مؤيد ومعارض وبين /بين ، وقد قاسى المدافعون عن حريتها الأمرين حيث تعرضوا حتى للسجن والرجم والقذف من طرف المتزمتين والمستبدين المتحجرين . إن الاهتمام بالمرأة بين فالقرآن من بين سوره الكريمة سورة النساء المدنية 175آية ، ثم تخصيص اليوم العالمي لها ،وعيد الأم ، واليوم الوطني للكاتبات المغربيات ،لأنها المدرسة الأولى و نصف الرجل ،بل نصف المجتمع ، والمجتمع نواته هي المرأة والرجل ،آن الأوان لترك هذا التمهيد ،للانتقال إلى الحديث الجديد، للوصول إلى صلب وصميم الموضوع … لا أبدأ بالحديث عن المرأة التي تحدث عنها شوبنهاور، صاحب مذهب التشاؤم ، من الناحية الفكرية والجسدية ، الذي قال فيها :”المرأة شعرها طويل وأفكارها ناقصة “، وهذا الرأي مرفوض ومردود لا أتفق معه رغم أنه فيلسوف كبير ومشهور ، وصاحب وجود التناقض بين عالم الإرادة وعالم العقل ، ولا بحديث أونوراتو دي بلزاك من أنه :”لا يفهم المرأة “، ولا بقول آخر، إنه ” يفضل المرأة الجاهلة على العالمة ،والتي لا تفرق بين يدها اليسرى واليمنى ،لأن العالمة في نظره وباء على العالم وعلى زوجها “…والله أعلم ولا عن كتاب “المرأة في حياة العظماء” ،ولا عن قصائد الشعراء المتغزلين فيها عبر العصور التاريخية ، من عنترة وجميل بثينة ،وقيس لبنى ،وقيس ليلى ، وعمر بن أبي ربيعة وروميو وجولييت … إلى نزار قباني ، ولا موقف العقاد المتشائم إزاء سارة ، ولا غوته نحو ألم فارتر .. ولا عن مكانتها في المجتمع الإسلامي و المجتمعات الأخرى ،ولا عن المرأة الموظفة والقاضية والمحامية والسياسية والمناضلة والكاتبة والوزيرة والفنانة والعاملة و… كما أننا لا نريد الاحتفال بعيد المرأة بالزغاريد والرقصات وأكل الحلويات ،وتقديم وتبادل ورود ذات ألوان مختلفة ،ودلالات رمزية ،في المكاتب غيرها ، كأننا في عيد “سان فالنتين ” والقيام بعروض واستعراض آراء ،ومواقف المفكرين والفلاسفة ولا معدى وجدوى من سرد الآخرين …إنما نريده بالوقوف في الأماكن الشاقة ، التي تعيش فيها المرأة وتعاني من صعوبة الطقس ، والحرمان من ضروريات العيش ،والعمل على تحسين الأوضاع وفك العزلة ،ومحاربة الهشاشة والتهميش والإقصاء، فالوقاية ثم العلاج ،والعمل ثم الإصلاح والبناء ، فهناك ملايين من النساء في إفريقيا وآسيا يعشن في فقر مدقع ،ويأوين إلى أكواخ من طين وتبن ووحل وأشجار، ويتعرضن للعنف والاغتصاب وسوء المعاملة ، ولكنني أريد أن أتحدث عن المرأة التي وصفها معروف الرصافي يصف حالتها وبكاءها وجسدها ولباسها وهي حافية القدمين…علينا ألا نحط من قيمة المرأة في البادية ، ففيها الرسامة والشاعرة والحافظة للحكم والأمثال والحكايات الشعبية ،وتقوم بأعمال البيطرة أحيانا بدون شهادة العارفة بما تربيه من البهائم والدواجن وغيرها من الحيوانات الأليفة .بالتجربة التي هي أم العلوم .. فما هي وضعية المرأة في البادية ؟ لا بد من توجيه أسئلة للبحث عن الأدواء لإيجاد الأدوية و”لكل داء دواء ” وضعية المرأة الاجتماعية والمعيشية تختلف باختلاف مناخ وجغرافية البوادي ،وهناك بون واسع بين المرأة القاطنة بالمدينة ،والمرأة الساكنة بالبادية ، إنها أي البدوية تشتغل بجانب الرجل لسد حاجيات البيت ،متمسكة بلباسها التقليدي ، بعيدة عن التبختر والتبرج والغندرة ، توقظ الرجل في الفجر للقيام بعمل ما في الحقل إن كان فلاحا ، وللذهاب إلى البحر إن كان صيادا ، تسرح المواشي صباحا ،وتريحها إلى المراح مساء ، تجمع الحطب ، تجلب الماء ، ترتب الأدوات المنزلية ، تعتني بأولادها ،توقد الموقد في الليل للطبخ ،وفي نفس الوقت لدحض البرد القارس ، تشعل الفتيلة أو القنديل لمقاومة الظلام الدامس ، تتفقد سطح المنزل قبل نزول الأمطار لدرء القطارة ،أما الأرامل من النساء فشقاؤهن أعظم مما ذكر ، على الجمعيات الخيرية ، والمؤسسات الحكومية أن تتفقد وضعية البادية وتعمل على تحسين بنيتها المعقدة والهشة وتزويدها بالماء والإنارة والكهرباء وإنشاء مدارس ، ومستوصفات ،وتعبيد الطرق وغيرها مما يضمن العيش الكريم ،ويدخل البهجة والطمأنينة والسكينة والشعور بالراحة على ساكنة البادية بمختلف شرائحها ، فالبادية هي أسبق من المدينة وهي أيضا تمدها بالمنتوجات الفلاحية ، هذا ما يجب القيام به كلما حل اليوم العالمي للمرأة ، لتشعر البدوية بوجودها إلى جانب المرأة القاطنة بالمدينة ،بالمساهمة المادية والمعنوية والنفسية تضامنا للتغلب على محنها ، والتخلص والانسلاخ من شقاوتها ، ولملء قلبها بالتحنان ،لا بتقديم الورود إلى المرأة التي تعيش في ترف ، ونترك المرأة التي تعيش في ضنك وشظف ،وهذا هو دور الجمعيات والمؤسسات الحكومية وغيرها … الاهتمام بالمرأة في القرية أمر لا مناص منه ،لتستريح من جلب الماء وإشعال الفتيلة واحتطاب الحطب وغيرها من الأعمال الشاقة المضنية ،ولا بد من مساعدة النساء الأرامل والمطلقات ، للقضاء على شظف العيش ، ومحاربة الانحلال الخلقي والتشرد ، وكذا تخصيص مدارس للتثقيف والتهذيب والقراءة والكتابة ، لترقى المرأة إلى مكانة شقيقتها في المدينة نسبيا ، ولتتلو سورا أخرى في صلواتها بعد الفاتحة ،لأنها نصف المجتمع ، بل هي المدرسة الأولى في التربية ،وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي : وإذا النساء نشأن في أمية &رضع الرجال جهالة وخمولا وشاعر النيل حافظ إبراهيم يراها مدرسة وأستاذة : الأم مدرسة إذا أعددتها & أعددت شعبا طيب الأعراق الأم أستاذ الأساتذة الألى & شغلت مآثرهم مدى الآفاق عود على بدء، الاهتمام بالمرأة بصفة عامة أمر ضروري، مهما اختلفت جنسيتها وهويتها ونشأتها ولا بد من احترامها وتقديريها ومساعدتها ،وفي كل ما ذكر واجب أخلاقي وإنساني ،وعلى المسؤولين في جميع ربوع المملكة الاهتمام بالمرأة وفي البادية أكثر ،لتكون صورتنا حسنة في عيون الزوار والسياح ،وليسجلوا انطباعات سارة للرجوع ثانية إلى بوادينا الزاخرة بالمناظر الخلابة ، والسياحة عنصر مهم في ازدهار اقتصاد البلاد ، وأن يكونوا أي المسؤولين كأم فرشت فنامت ، والأدب مال واستعماله كمال . ندوات كثيرة ،وحملات تحسيسية ، ولقاءات إعلامية، وبرامج واستطلاعات في التلفزة ،ومقالات في الصحف والمجلات تنكب وتنصب وتتحدث عن المرأة ولكن فعاليتها ضئيلة ،ويحضرني المثل الذي قيل في أيام الجاهلية “جعجعة ولا أرى طحنا ” ،تبقى حبرا على ورق ، أو أشرطة ذات صور منقولة من هنا وهناك ….فلا عدل بدون مساواة ،ولا تقدم ولا حضارة ، بدون تعليم وتثقيف وتوعية المرأة الساكنة في قمم الجبال والأماكن الوعرة ، والسائرة في الطرق اللزبة ، تعاني من قساوة البرد القارس ، تحاصرها الرياح القوية ،والأمطار الغزيرة ، والثلوج المتراكمة ،فتصبح وعائلتها وماشيتها في عزلة تامة ، تلك هي الطامة الكبرى ، وإذا الم بها ألم أو وجع ، فلا حول ولا قوة لها ،ولا مغيث ولا منقذ ، وتردد حسبي الله ونعم الوكيل ، ولكل غد طعام ،تعيش منسية ،تمرض مهملة ، تموت مستريحة من هذه الدنيا المضنية الزائلة ،والكل إلى تباب ويباب …. واختم بما قاله جميل صدقي الزهاوي وهو مسك الختام : إنما المرأة والمرء سواء في الجدارة علموا المرأة فالمرأة عنوان الحضارة وأيضا : لا يقي عفة الفتاة حجاب & بل يقيها تثقيفها والعلوم