لا غبار أن مطلب الحكم الحكم الذاتي للريف ليس بالمطلب وليد اليوم أو الامس القريب نظرا لتواجد وعي إستباقي عند الريفيين في ضرورة تدبير شؤونهم الريفية بأنفسهم بعد ان إتضح أن كل المقاربات و السياسات المركزية قد جعلت من الريف وسيلة إغتنام و ليست غاية إثراء ، اي ان الدولة المغربية حاولت قدر المستطاع أن تجعل من الريف أداة غنيمة من الجانب الإقتصادي تستحوذ من خلالها على ثروات الريف المتاحة دون أن تبذل أدنى مجهود لتحسبن أوضاعه الداخلية و ذلك نازعه إدراك مؤسسات الدولة المركزية أن هذا الكيان أو الحيز المجالي قد نسب إليها بالإكراه لا بالتوافق التشاركي ، أما سياسيا فحاولت الدولة المغربية تسويق صورة سلبية عن الريف لدى الرأي العام الدولي من خلال تشخيصه كبؤرة الحشيش و بوابة التهريب كل ذلك من أجل إضفاء المشروعية على المقاربة الامنية التي تعتمدها الدولة بالريف و القائمة على العنف المفرط لتطويع الريف و إخضاعه لسياسة تصرفها فيه في كل المجالات كما تريدها هي و ليس كما يتطلع الريفيون إلى ذلك . في هذا الجو المتسم بضبابية نظرة الدولة المغربية ظهرت حركة ريفية تنادي بضرورة جعل صوت الريفيين و تطلعاتهم في أية مبادرة تهدف إلى النهوض بهذا المجال الجيوسياسي الذي تعرض لسياسات تهميشية و تهجيرية و إقصائية متوالية أدت بالاساس إلى تهجير ملايين الريفيين إلى الخارج و تشديد الحصار على الريف بنظرة ملئها الإقصاء و إعتبار كل ما له صلة بالريف كعامل مخل بالتوازن و نازع خطورة مؤثر على وحدة لم يفهم معظم الريفيين معناها اللهم إن كانت تعني عزل الريف عن أية مبادرة تجعل منه مركزا لأبنائه و حافظا لثرواته و مركز إستثمار لموارده البشرية المشتتة في الدول الأوربية . أمام تزايد الزخم بإعطاء الأولوية للريف كقطب مركزي للريفيين و ليس تابعا لمخططات خماسية و سداسية مركزية هدفها الأول و الأخير هو النظر للريف كغنيمة إقتصادية تسد الخصاص المالي للمركز ، و لأبنائه كماكينات بشرية جالبة للعملة الصعبة التي تحافظ على موازنة الأرقام المالية التي لا يعرف حقيقتها إلا رؤوس حماية مصالح المركز من الإنهيار . لهذا كله إرتأت غالبية الفئة الانتلجينسية الريفية إلى جعل الريف قضية مصيرية إما أن يكون سيد نفسه في التدبير الذاتي المعقلن و إما أن تتواصل النظرة المركزية القديمة الجديدة في جعله مجرد رقم في المعاملات الإقتصادية و المالية ، فكل المؤشرات أجمعت أن موقع الريف الجغرافي المطل على البحر الأبيض المتوسط و ما يعنيه ذلك من إمتلاكه لثروات بحرية كبيرة بعد رقما مهما في مداخيل ناتجة عن الصيد البحري و الرسوم الجمركية لموانئ عديدة تعرف نشاطا ملاحيا نشيذا على مر السنة ، و كذا إمتلاك الريف لعشرات الآلاف من الهكتارات الصالحة للزراعة و الفلاحة و مساحات مهمة من الجبال المتوفرة على ثروات باطنية لم يكشف عنها لحد الآن و في نفس الوقت يمكن إستغلالها بإزدواجية في جعل الجبال عنصرا جالبا لمداخيل مهمة إن تم إستغلال زرعها بأشجار مثمرة قد تكفي ذاتيا الريف بأكمله و تصدر خارجيا ، و مع تواجد ملايين من الجالية الريفية المقيمة بالدول الأوربية و غيرها و تعتبر _ أي الجالية الريفية _ من أنشط الجاليات التي ساهمت في بناء الإقتصاد الاروبي الرائد عالميا ، إذ كيف يتم السماح لهذه الجالية أن تكون رقما صعبا في الخارج و لكن المركز ينظر لها كآلات جالبة للعملة لا غير مع العلم أن تحويلاتها المالية التي تقدر بملايير الأورو سنويا هي اللبنة الأساسية في نسبة العملة الصعبة التي تحويها خزينة الدولة المركزية . إلا أن الملاحظ على أرض الواقع هو كون الريف لا يزال ينظر إليه كشيطان مهدد لوحدة الهوامش الملتحفة بالمركز بشكل عنقوذي إذ أن بعد مرور 57 سنة على الإستقلال الشكلي لا يزال المركز محتكرا لمداخيل كل الجهات و المناطق لرفع مؤشر التنمية في المثلث الحضري المحيط بالمركز على حساب تفقير باقي المناطق ، اي أن النظرة الإستعمارية القائمة على إزدواجية الخريطة السياسية و الإقتصادية التي أفرزت مغربا نافعا يحتكر كل شيء و مغربا غير نافع هو ضحية سياسية الهدف منه تحمل أعباء المركز و إستنزافه من اجل إعلاء صورة المركز و تحسينها على حساب تفقير الكل من اجل رفاهية الجزء الأصغرالذي هو المركز السياسي و الإقتصادي . و بعد فشل التقسيم الجهوي الذي كان صميمه تشتيت وحدة الريف عبر تقسيمه إلى أشلاء سياسية و جغرافية و إلحاقه بمناطق أخرى تختلف قطعيا عن مميزاته و خصوصياته الثقافية و اللسنية و الذهنية ، و الهدف من كل ذلك هو محاولة طمس وحدة الريف التاريخي من جهة و من جهة ثانية هو إشراك مناطق لاريفية في خريطته و التي جعلت مراكزا للجهات كوجدة و تاونات و فاس ، الهدف منها هو ضخ المداخيل الريفية في هذه الجهات لكي لا يستفيد الريف من مداخيله بشكل قطعي . أمام هذا الوضع الذي أثبت ان إستنزاف الريف من أجل توتيد المركز لن يوتي إلا بنتائج عكسية على الريف إرتأت الفعاليات السياسية الريفية إلى بلورة أرضيتها النضالية على جعل الريف منطلقا و هدفا و غاية ، و توافقت الرؤى على كون إقرار نظام الحكم الذاتي للريف هو السبيل الوحيد لكل الريفيين الذي يتطلعون إلى الدفع بتقدمه للامام عبر التشارك في تحمل المسؤوليات إن ظلت الامور على ما هي عليه التي لن تفرز إلا نتائج عكسية لا تخدم مصلحة الريف و أبنائه بتاتا لا من قريب و لا من بعيد ، بل على العكس من ذلك فلن نحصد نحن الريفيون من مركزية المصالح و جهوية التفقير إلا مزيدا من التراجع و القهقرى على كل المستويات . خلاصة القول مفادها ان آن الأوان للتظر للريف كمركز لأبنائه يتفانون في خدمته و أن ثرواته الكبيرهم أولى بها قبل أي أحد آخر و ذلك بتدبير شؤونه على يد الريفيين الذين ستكون لهم كلمة البدء و الختام في أي أمر يخصه .