دفع إعلان رئيس الحكومة عزيز أخنوش، عن الزيادة في سعر اقتناء قنينة الغاز (البوطا) من فئة 12 كلغ بمقدار 10 دراهم سنويا، بداية من أبريل 2024، وصولا لأن يستقر ثمنها عند 70 درهما في 2026؛ إلى التساؤل حول تأثير هذه الخطوة على القدرة الشرائية للمواطنين، وكذا الآليات التي سيتم التعامل بها مع الفئات الهشة تفاديا لتضررها من ذلك. اضافة الى النتائج الكارثية على الاسواق حيث سيستغل الوضع اغلب الشرائح الخدمية لتبرير رفع اسعار عدد كبير من المنتجات. ♦الدعم الاجتماعي المباشر ورفع سعر "البوطا" أبرز رئيس الحكومة، ، أن سعر "البوطا" من الحجم الكبير الذي يصل حاليا ل40 درهما، سيشهد زيادة سنوية، حيث ستصبح ب 50 درهما في 2024، وب 60 درهما في 2025، وب 70 درهما في 2026، معتبرا أن ذلك يدخل في إطار التسقيف وليس تحرير ثمن هذه المادة. وأوضح أخنوش في كلمته خلال الجلسة العمومية المشتركة داخل البرلمان المخصصة لتصريحه حول الدعم الاجتماعي المباشر، أن ميزانية الدولة لن تتحمل تمويل الدعم الاجتماعي المباشر والإبقاء في نفس الوقت على تحمل الكلفة الكاملة لنظام المقاصة. وتابع أنه بالنظر إلى ضعف الإنصاف الاجتماعي لنظام الدعم الحالي على مستوى استهداف الطبقات الفقيرة والهشة، وبعد شروع الحكومة في صرف الإعانات المباشرة ابتداءً من دجنبر 2023، ستعمد إلى تخصيص الهامش الناتج عن تقليص دعم المقاصة، والذي يمثل تقليصا تدريجيا، جزئيا ومحددا زمنيا ما بين 2024 و2026، لاستكمال تمويل إجراءات ورش تعميم الدعم الاجتماعي المباشر للأسر. وأبرز أن الدعم الاجتماعي المباشر الممنوح للطبقة الهشة سيفوق بكثير مستوى القيمة التي سيتم بموجبها التقليص النسبي لدعم المقاصة، مشيرا إلى أنه سيستهدف 60 % من الأسر غير المشمولة حاليا بأنظمة الضمان الاجتماعي، والمستوفية لشروط الاستهداف بعد تسجيلها في السجل الاجتماعي الموحد. ♦آثار تقليص الدعم عن قنينة الغاز اعتبر بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن تقليص أو إلغاء الدعم المباشر التدريجي على قنينات الغاز كان منتظرا، مبرزا أن الحكومة منذ سنة 2014 كانت تعمل على إنهاء مهام صندوق المقاصة، أي تحرير أسعار كل المواد الاستهلاكية المدعمة. وأضاف الخراطي أن السؤال المطروح اليوم هو حول إن كان سعر "البوطا" في 2026 سيتم تحريره بصفة عامة أم سيتم تسقيف الدعم المخصص له بشكل يجعل ثمنها يحدد في 70 درهما، وعن إمكانية استمرارها ضمن النظام المدعم أو انتقالها إلى نظيره المقنن. وشدد على أن المشكل الذي يواجه المغرب، هو كيفية تحديد الفئات الهشة بمجتمعنا، موضحا أن 60 % من قطاعنا الاقتصادي يدخل ضمن المجال غير المهيكل، معتبرا أن ذلك يصعب مأمورية تحديد فئة الفقراء، مبرزا أن الطبقة المتوسطة هي وحدها من يمكن نسبيا تصنيف المنتسبين لها، مشيرا إلى أن هذه الأخيرة ستكون المتضرر الأولى من هاته الزيادات المرتقبة. ♦تحديد الجهات المستهدفة دعا الخراطي إلى ضرورة عمل الحكومة على تحديد الطبقة الهشة بدقة؛ تفاديا لتكبد خسائر مالية كبيرة قد تتجاوز ما هو مرصود لصندوق المقاصة حاليا، داعيا إياها إلى التركيز على أمر عدم استغلال هذه الطبقة سياسيا، من خلال توظيف ذلك لأغراض سياسية بحثة من أجل استفادة جهة ما، موضحا أن الغرض من ذلك يجب أن يكون اجتماعيا لا غير. وأوضح رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أنه لوصول الدعم للفئات الهشة بالشكل المستحق والمطلوب، والمساهمة في استقرار البلاد، يجب دراسة هذا الأمر من جميع الجوانب سواء السيكولوجيا أو الاجتماعية أو الاقتصادية. ولفت إلى أن الطبقة الهشة يصعب على الحكومة رصدها، باعتبارها لا تؤدي ضرائب ولا تستهلك مثل نظيرتها المتوسطة، مضيفا أن تعاملها اليومي يتم بشكل تام في إطار القطاع التجاري غير مهيكل، مبرزا أن أموالها أيضا غير موجودة في البنوك، موضحا أن تحديد المستهدفين من الدعم المباشر يجب أن يخضع لتدقيق كبير. ♦تأثير الخطوة على باقي المواد الاستهلاكية يعتبر الخراطي أن المستهلك المغربي طبّع مع الزيادات منذ مدة، ولم يعد له أي ردة فعل على ذلك، موضحا أن تلك الارتفاعات في غالب الوقت لا ترتبط بالتاجر أو البائع، بل بعوامل خارجية أخرى، موضحا أنه من الطبيعي أن تزداد السلع أو الخدمات المرتبطة باستخدام قنينات الغاز. وأبرز أن الأهم اليوم هو مراقبة المسؤولين لجودة المنتجات في الأسواق والمحلات التجارية بالمغرب، مشيرا إلى المشكل أكبر من مسألة إلغاء أو إبقاء الدعم، لافتا إلى أن المستهلك يشتري بعض المواد الأساسية بضعف ثمنها الأصلي في كثير من الأحيان. وشدد على أن الطبقة المتوسطة ستكون أكثر تضررا، باعتبارها الضلع الأساسي في دائرة النشاط الاقتصادي للبلاد، والفئة الأكثر استهلاكا للمواد الأساسية، التي ستشهد لا محالة ارتفاعا ملحوظا بأسعارها في قادم السنوات. ♦دور المجتمع المدني أرجع الخراطي تراجع دور فعاليات المجتمع المدني في حماية المستهلك، لكون "الصحافة التي كانت تنتقد الحكومة كلها أصبحت اليوم صامتة"، وإلى "ضعف من يمثل الشعب داخل قبة البرلمان"، مبرزا أن "هناك عدد قليل من النزهاء الذين لهم غيرة على مصالح المواطنين بالمؤسسة التشريعية، فيما فئة أخرى لا تبحث إلا عن تحقيق أهدافها الشخصية". وأردف أن هناك غياب عن الحديث لما يتعرض له المستهلك المغربي في أغلب الأوقات من زيادات في الأسعار من طرف المنتخبين داخل المؤسسات الرسمية كالبرلمان، مضيفا أنه في المقابل هناك محاولات مستمرة لكبح عمل فعاليات المجتمع المدني الناشطة في مجال حماية المستهلك. وأوضح أن جمعيات حماية المستهلك ليس لها حق في الترافع والتقاضي، وأيضا التقدم بإيحالات في هذا الجانب للمجالس المختصة، وذلك من خلال "وضع قيود قانونية أمامها لمنع تحركها والدفاع عن المستهلكين"، مشيرا إلى أنه "للبرلمانيين المسؤولين عن تشريع القوانين لهم دور فيما يحدث في هذا الجانب". وأبرز أن حصول الحكومة على قروض خارجية جعلها تخضع لإملاءات البنك وصندوق النقد الدوليين، حيث تم فرض مجموعة من الشروط على المغرب، مشددا على أن أهم شيء بالنسبة للمملكة بعيدا عن الإذعان لتعليمات المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية هو المحافظة على الاستقرار الاجتماعي، والذي من بين الأمور الضامن له هو حماية المستهلك. ♦الحلول الممكنة يشير الخراطي إلى أنه إذ كان سيتم تحرير سعر قنينات الغاز، يجب طرح البديل للطبقة الهشة، وأيضا إن كانت هذه الأخيرة سيكون لها امتياز شرائها بثمن تفاضلي، في إطار الفئة المحددة ضمن الفئة الفقيرة في السجل الاجتماعي الموحد. وأشار إلى أن الجامعة المغربية لحقوق المستهلك تتفق مع فكرة إنهاء الدعم على كل من الدقيق المدعم والسكر، لكونهما تستفيد منهما القطاعات الصناعية التي يرتبط إنتاجها بهاتين المادتين. وتابع المتحدث ذاته، أن الشركات الناشطة في القطاع التي تستخدم السكر والدقيق هي الرابح الوحيد في هذا الأمر، والذي يكلف الحكومة ملايير الدراهم سنويا، وذلك دون استفادة حقيقية للجهات المستهدفة منه. وأوضح أن المغرب عليه استلهام تجارب دول أخرى في مجال دعم الفئات الهشة فيما يخص المواد الأساسية، مثلما هو الحال مع الهند التي يحصل فيها المواطن البسيط أو الفقير، على قنينة الغاز بشكل مجاني، حيث تتحمل الدولة بشكل مباشر تكلفتها، مبرزا أن أعداد المستحقين للاستفادة من هذا الأمر محددة بشكل دقيق في هذا البلد الآسيوي. وأضاف أن من بين الأمثلة الأخرى على ما سبق؛ نجد مصر التي توفر منذ عقود بطاقة التموين، التي تسمح للمصريين المنتمين للفئات الهشة بالتوجه نحو البقال التمويني للحصول على المواد الغذائية والسلع الأساسية مقابل أسعار مُخفضة. وأكد رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك على أن الحل الممكن يتجلى في أمرين، إما بتوفير بطاقة للدعم للفئات الهشة المستهدفة من ذلك، أو اعتماد النموذج الهندي الذي يقوم على توزيع "البوطا" بشكل مباشر على المواطنين الفقراء.