خيبة أمل نقابية بعد تأشير المحكمة الدستورية على قانون الإضراب    المكتب الوطني للمطارات يعوض التفتيش المزدوج بالبوابات الأوتوماتيكية    المعاملات التجارية.. المديرية العامة للضرائب تدعو الملزمين إلى تقديم التصريح برسم سنة 2024 قبل فاتح أبريل    التحقيقات متواصلة لتحديد امتداد نفق المخدرات بين سبتة المحتلة والمغرب    رجة قوية بوزارة التربية الوطنية!    رواندا تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع بلجيكا    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    المغرب يتصدر قائمة الدول عالميا في إنتاج الهيدروجين الأخضر من الطاقة الريحية    وزارة التجارة: استبعاد 5.583 طن من المنتجات المستوردة الُمخِلة بالشروط ومراقبة أكثر من 300.000 نقطة بيع وتسجيل 15.200 مخالفة    إسرائيل تجعل دخول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين "شبه مستحيل"    الطائرات الصينية تعيد تشكيل ملامح صناعة الطيران: منافسة قوية تنتظر إيرباص وبوينغ    ليبيا.. "الكتب المدرسية" تتسبب في سجن وزير التربية والتعليم    البطولة الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال 25).. شباب المحمدية ينهزم أمام ضيفه حسنية أكادير (4-0)    الاتحاد السعودي يسعى لضم عبد الصمد الزلزولي    قرعة متكافئة للهلال والنصر في ربع نهائي أبطال آسيا    ‬دينامية ‬الدبلوماسية ‬ترفع ‬أسهم ‬المغرب ‬في ‬البورصة ‬الأفريقية    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    تنسيقية أساتذة الزنزانة 10 ترفض التراجعات وتعلن اعتصاما مركزيا بالرباط    هذه توقعات الأرصاد الجوية اليوم الإثنين بالمغرب    توقيف 8 أشخاص على خلفية قضية اغتصاب تلميذات قاصرات بمنطقة "كيكو" ضواحي بولمان    الدبلوماسية الناعمة للفنون والحرف التقليدية المغربية.. بقلم // عبده حقي    دراسة جديدة تربط بين الطقس الحار وأمراض القلب في أستراليا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    المغرب يعزز مكانة جواز سفره بإضافة وجهات جديدة دون تأشيرة    إلغاء مباراة مونبلييه وسانت إيتيان في الدوري الفرنسي بسبب الأعمال النارية    شهر رمضان في أجواء البادية المغربية.. على إيقاع شروق الشمس وغروبها    كيوسك الإثنين | الحكومة تواكب تحديث المنشآت الفندقية لاستضافة المونديال    رسالة محمد بن عيسى ومسؤلية "الأصالة والمعاصرة" أمام الله والتاريخ بشأن مستقبل مدينة أصيلة    ترامب يطرح فكرة "التقسيم" مع بوتين    نتانياهو يعتزم إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي    البطلة برطال: أهدي الميدالية الذهبية للملك محمد السادس والشعب المغربي    تقرير بريطاني: ثلث الهواتف المسروقة في المملكة المتحدة تُهرب إلى الجزائر    محاولة للإساءة للمغاربة: كشف مجرم جزائري ادعى الجنسية المغربية بعد اعتقاله في فرنسا    وفد برلماني نسائي يروج للمناصفة    بوجلابة يكتب: "فيييق أحبّي !!"    توقع بتوقف تام للملاحة البحرية بمضيق جبل طارق بسبب رياح قوية وأمواج عاتية    هاليفي يٌثني على "حماس".. ونتنياهو يٌقيل رئيس جهاز أمن "الشاباك"    "طنجة تتألق في ليلة روحانية: ملحمة الأذكار والأسرار في مديح المختار"    حادثة سير خطيرة قرب طنجة تسفر عن وفاة وإصابات خطيرة    واقع الأطفال في ألمانيا.. جيل الأزمات يعيش ضغوطات فوق التكيفات    فوز الحسنية و"الجديدي" في البطولة    نشرة جوية إنذارية بالمغرب    إسبانيا تمنح المغرب مليون يورو لاقتناء 10 سيارات إسعاف    مدرب الوداد موكوينا يتحدث عن إمكانية الرحيل بعد التعادل مع اتحاد طنجة    الإعلام الفرنسي يصف المغرب ب"إلدورادو حقيقي" للمستثمرين و"وجهة الأحلام" للمسافرين    لا أيمان لمن لا أمانة له ...    الأدوية الأكثر طلبا خلال رمضان المضادة للحموضة و قرحة المعدة!    ارتباك النوم في رمضان يطلق تحذيرات أطباء مغاربة من "مخاطر جمّة"    الإهانة في زمن الميغا امبريالية: عقلانية التشاؤم وتفاؤل الإرادة.    نسيم عباسي يتيح أفلامه السينمائي للجمهور عبر "يوتيوب"    "آتو مان" أول بطل خارق أمازيغي في السينما: فيلم مغربي-فرنسي مستوحى من الأسطورة    ملكة الأندلس تتربع على عرش الجماهيرية دون منازع    تتويج "عصابات" بجائزة "فرانكوفيلم"    تأثير مرض السكري على العين و عوارض اعتلال الشبكية من جراء الداء    أبرز المعارك الإسلامية.. غزوة "بني قينقاع" حين انتصر النبي لشرف سيدة مسلمة    أهمية الفحوصات الطبية خلال شهر رمضان    ظاهرة فلكية نادرة مرتقبة فجر يوم غدٍ الجمعة    أداء الشعائر الدينيّة فرض.. لكن بأية نيّة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهمية الثقافة المضادة في التغيير
نشر في أريفينو يوم 23 - 12 - 2012


هناك ثلاثة أنواع من الثقافات:
الثقافة السائدة: وهي ثقافة النظام العام والمؤسسات والطبقات والعائلات الحاكمة، إنها الثقافة العامة المشتركة والأكثر انتشارا؛
الثقافات الفرعية: وهي ثقافات خاصة ضمن الثقافة العامة، وتتمثل في المجتمع العربي بشكل خاص في البداوة والفلاحة والحضارة تتنوع بتنوع الطبقات وثقافات الأقليات والجماعات والأقاليم؛
الثقافة المضادة: التي تتناقض مع الثقافة السائدة، وتتداخل في صراع حاد معها، وتتمثل خاصة باتجاهات الرفض المنتشرة في أوساط المثقفين المبدعين والثائرين السياسيين.
وإذا كانت الثقافة بأنواعها تتضمن القيم والغايات التي يوجه الأفراد سلوكهم وأفكارهم واختياراتهم على ضوئها، ويعتمدونها في إصدار الأحكام والمقارنات والاختيار بين بدائل في المناهج والوسائل والغايات1، فإن الثقافة السائدة في مجتمعنا تتصف بالغيبية والنزعة السلفية والتشديد على التقاليد وتسويغ النظام العام؛ بينما تتنوع الثقافات الفرعية حسب أساليب المعيشة والانتماءات الاجتماعية والطبقية والإقليمية، متمثلة بالخصوص بالتباين في حياة البادية والقرية والمدينة. أما الثقافة المضادة، التي ترفض الثقافة السلفية التقليدية والثقافة التغريبية والانتقائية المستعارة من الغرب، فإنها لم تفلح في التعبير عن صوتها والبروز على الساحة الاجتماعية كثقافة منافسة2.
الثقافة السائدة واسعة الانتشار، فهي عامل مشترك بين مختلف الفئات الاجتماعية المتعلمة والجاهلة والغنية والفقيرة والحضرية والقروية وغيرها، وانتشارها يحول دون تحقيق التغيير الاجتماعي، لأن الأفراد على اختلاف انتماءاتهم يسايرونها ويخضعون لها، ولا يختلف كثيرا في ذلك الأميون مع المتعلمين أو الفقراء مع الأغنياء.
فالمسايرة الاجتماعية لدى العاملين في الحقل التعليمي تديم كثيرا من التصورات التقليدية المحافظة الرجعية المتفشية في مجتمعاتنا المتخلفة، على الرغم من مناقضتها لما تعلموه في الجامعات أو مراكز التكوين، وهذه التصورات السلبية تشكل مراكز مقاومة التغيير، فهناك دوما تمثلات وأحكام نمطية سائدة، تكرس التخلف التربوي، وتحرم المجتمع من أي فرصة للتغيير والتطور.
إن مسايرة الثقافة الاجتماعية السائدة، لا تساهم في تحقيق التغير الاجتماعي، فالعمل المطبوع بالمسايرة لا يغير شيئا، ولا يعبر عن وجهات النظر المختلفة التي تحملها الثقافة المضادة التقدمية المبشرة بالتغيير، والتي تعبر عن اتجاهات الرفض المنتشرة في أوساط المثقفين المبدعين والثائرين السياسيين، وتدخل في صراع مع الثقافة السائدة.
والدرس البروسي يقف شاهدا على أهمية رفض المسايرة في عملية التغيير السياسي والاجتماعي، ودور الشباب الرافض في دفع عجلة التطور، إذ أن الأمبراطورية البروسية صحت عام 1806 على دوي هزيمة منكرة في مواجهة قوات نابليون، ولتجاوز الأزمة نصح الفيلسوف الألماني فيختة بلده بإرسال مجموعة من المعلمين ليتتلمذوا على يد بيستالوتزي، أعظم مرب حر في العالم آنذاك، وعيا منه بقيمة الفكر الجديد الذي يحمله هذا المربي المبدع.
وبعد انتهاء مرحلة التتلمذ على بيستالوتزي رجع المعلمون الشبان وقد امتلأوا حماسا لأفكارهم الجديدة التي لقنهم إياها بيستالوتزي، فأقاموا المدارس التي تعبر عن طريقة الحياة وتؤهل الأطفال للنمو السوي، فكانوا يتعلمون كل ما يمكن أن يفيدوا منه في حياتهم القادمة، بينما ظلت المدارس الأخرى تصب المعرفة في ذاكرة الأطفال دون فهم ومن غير رباط بين المعرفة والحياة.
هذا الفكر الجديد الذي حمله هؤلاء المدرسون، أدى إلى ثورة ثقافية وسياسية في ألمانيا عام 1848 قادها الشباب المتعلم الحامل للفكر الجديد، فأثار ذلك حفيظة الإمبراطور فريدريك وليم الرابع، فتوجه باللوم إلى القائمين على الشأن التربوي ببلاده، محملا إياهم المسؤولية في قيام الثورة، التي جلبت التعاسة على بروسيا على حد تعبيره، مؤكدا لهم أنه كان دائم التوجس من الفكر الجديد، وقال لهم “إن تلك التربية الشائعة التي كانوا يتباهون بها كانت على الدوام موضع سخطي وكراهيتي”.
وإن أفلح الامبراطور في قمع حركة الاحتجاج الشبابية، فإنه لم يستطع محو تأثيرات التربية الجديدة، ومواجهة الثقافة المضادة التي رسختها في نفوس الناشئة الألمانية، الأمر الذي ساهم في إحداث التغيير المطلوب في المجتمع الألماني؛ هذه التربية لم يكن الأمبراطور راضيا عليها لأنها كانت ترسخ الثقافة المضادة وترفض المسايرة ولا ترضى بالأمر الواقع، بل وتحمل مشعل الثورة والتغيير، وقد مهدت السبل لإنشاء الدولة الألمانية الجديدة القوية الديمقراطية، بل وكان القائد الألماني الشهير أوتو فون بيسمارك من أبرز التلاميذ الذين تلقوا تعليمهم على أيدي معلمين تتلمذوا على يد بيستالوتزي وتشبعوا بأفكاره الجديدة.
إن الثقافة المضادة التي كان يحمل لواءها الجماعات الديمقراطية والنخب المتعلمة المثقفة في بلادنا، لم تقو على مواجهة الضغوط الاجتماعية، وانهارت أمام الثقافة السائدة بفعل آلية الضبط الاجتماعي والمسايرة التي أبداها المثقفون والمتعلمون، الذين كانوا إلى عهد قريب يشكلون قوى أساسية اعتمدت عليها الأحزاب التقدمية في مختلف أساليب وحركات النضال السياسي والاجتماعي.
لابد من حمل مشعل الثقافة المضادة، والدفاع عنه، ونشر إشعاعه، والاستضاءة به، ولابد أن يمتلك المعلمون قضايا اجتماعية وثقافية يدافعون عنها، حتى يعيشوا حالة من النهوض الثقافي والفكري والسياسي، فالصراع الثقافي المتصاعد هو روح التفكير الاجتماعي، وهو أداة كل تغيير اجتماعي، ولا سبيل إلى ذلك إلا عبر تعميق التكوين الأكاديمي والمهني، والانشغال بالقراءة والبحث التربوي والاجتماعي؛ فتعميق التكوين، يقوي ذكاء الفرد ويزيد من قدرته على رفض المسايرة. فقد تبين أنه كلما زاد ذكاء الفرد كانت مسايرته التلقائية أضعف وأقل، وذلك لقدرته على الفحص والتمحيص والدراسة المتعمقة والمتأنية للمواقف والمعايير.
إن التحديث ونظمه يؤدي إلى ارتقاء المشاعر الإنسانية، وتعميق تكوين المدرسين في العلوم الاجتماعية بالخصوص، والمداومة عليه، من أفضل وسائل الإصلاح التربوي وتحسين أساليب التربية، لأنه يؤدي إلى الحد من آثار التنشئة الاجتماعية التي خضعوا لها، ويجعلهم يقفون على عيوب ومثالب الثقافة السائدة، ومساوئ التمسك بها أو مسايرتها، وهذا أول سبل التغيير التربوي.
1 بركات، حليم: المجتمع العربي المعاصر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1998، ص 324
2 بركات، حليم: المجتمع العربي المعاصر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1998، ص 52


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.