الاتهامات الموجهة ضد الأمازيغ و الأكراد عبر التاريخ دائما ما تأتي من فئة ضالة لا ترضى عنهم إلا في منزلة العبيد وفي مزاولة المهن السفلى ك”الزريعة” و غيرها. فقد سمعنا كثيرا عن فقهاء و سياسيين يتهمون هذين الشعبين العريقين بكون إسلامهم سطحي و أنهم يعيشون كالبهائم دون مبادئ و أخلاق و الإنترنت يعج بتصريحاتهم، و الجميع يعلم أن كل ذلك كذب و بهتان، و لكن كما قال لوثر كينغ زعيم الزنوج في أمريكا أيام العبودية أن “المصيبة ليست في ظلم الأشرار، بل في صمت الأخيار”.. من المهانة بمكان للعرب المسلمين أن يسكتوا عما يرتكبه إخوانهم العرب من ظلم في موريتانيا حيث هم الوحيدون الذين مازالوا يملكون البشر كعبيد. و هو ما دفع بالناشط الحقوقي بيرام ولد اعبيدي و أعضاء “مبادرة من أجل الإعتاق من العبودية” مؤخرا إلى إحراق الكثير من كتب الفقه التي تكرس مبدأ العبودية، على حد تعبيرهم، وذلك للتعبير عن سخطهم على الطبقة العربية-الأمازيغية المورسكية التي تمارس التمييز العنصري ضد “الحراطين “أغلبية الشعب الموريتاني.. و “البدون” في الكويت ليسوا أفضل حال من إخواننا الموريتانيين، أما في السعودية فالعبيد من مختلف الجنسيات.. كما قدمت قناة “إل بي سي” اللبنانية برنامجها “أحمر بالخط العريض” و موضوع الحلقة “في مواجهة العنصرية” أظهر بجرأته وجود لبنانيين عرب ينظرون للسود على أنهم أقل من البيض قيمة و ما خلقهم الله إلا ليخدموا أسيادهم العرب حسب أحد الضيوف و هكذا دون أن يحرك ضده هواة التظاهرات لصالح العرب لسانهم لا لشيء إلا أن ” الفاعل” عربي و” المفعول به” عجمي.. وقد ذكرتني هذه المظالم بقصة سعد بن أبي و قاص و ظلم العراقيين له حين عينه عمر بن الخطاب و ليا عليهم، ولما أرسل بن الخطاب مبعوثه لتقصي الحقائق قال للعراقيين في المسجد ماذا تقولون في سعد.. قال أحدهم و اسمه أسامة بن قتادة بأنه يتهم سعدا بثلاث تهم وهي أنه لا يسير بالسرية و لا يعدل في القضية و لا يقسم بالسوية.. و لما سمع سعد هذه التهم الباطلة توجه بالدعاء إلى الله قائلا “اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا فيما رماني به فأطل عمره و أطل فقره و عرضه للفتن”، فاستجاب الله لدعاء المظلوم و عاش الرجل الظالم حتى انحنى ظهره و ضعف بصره و يمد يده للناس يسألهم إحسانا، و إذا مرت به امرأة غمزها بأصبعه فيقول له المارة:”ألا تستحي أيها الشيخ?” فيجيبهم قائلا: “ماذا أفعل? أنا شيخ أصابتني دعوة سعد”.. هكذا تستجاب دعوة المظلوم ولو بعد حين و “الحر تكفيه الإشارة” كما يقال.. فالعرب لا يستفيدون من التاريخ و لذلك يلدغون من الجحر مرتين.. ففي مرحلة مهمة من الخلافة الإسلامية كان هناك ضغط لا يحتمل على العبيد من أسيادهم العرب الذين يستغلونهم بوحشية في القيام بمهن لا تقل مهانة من “الزريعة” مما دفع بصديق الزنوج و قائد ثورتهم التحررية عبد الله بن محمد إلى تعبئة عبيد ما حول البصرة للهجوم عليها و تخريبها و أسر أحرار العرب، و سبي نساءهم.. كادت ثورة العبيد أن تنتصر لولا اتفاق العرب آنذاك على إخمادها.. وهو ما يثير الشكوك حول أي دعوة للدول العربية للوحدة لأنها لا تجتمع إلا على إبقاء الأسياد أسيادا و العبيد عبيدا و هذا ما نستشفه من تدخل درع الخليج لإخماد ثورة الشيعة المضطهدون في البحرين و تدخل القوات الأردنية لقمع المتظاهرين في الكويت بعد أن تم الاستنجاد بهم.. و قد يكون هذا هو الهدف الأسمى من توسل دول الخليج للأردن و المغرب للانضمام إلى “التعاون الخليجي”.. أمريكا تسعى إلى كرامة البشر بغض النظر عن اللون و الجنس و اللغة، و أعمالها تتحدث عنها، عكس القوميين العرب كوهبي و الفاسي و السفياني و الشامي و الخليفة و أباطرة البز نس الديني الذين لا تبح حناجرهم من كثرة الدعوة إلى “الموت” في سبيل “العروبة”، و قد آن الأوان للإنصات لأوباما و محمد أركون و عصيد و العفيف الأخضر و غيرهم من الذين يدعون إلى ” الحياة” في سبيل التعايش بين جميع البشر بكل اختلافاتهم لأن ذلك هو المغزى من الآية الكريمة “و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا”. و تعتبر الولاياتالمتحدة أسمى نموذج لذلك، و هو ما أكده اوباما (الإفريقي الأسود) في خطاب إعادة انتخابه قائلا: “نحن أكثر أمة متنوعة في العالم و لهذا السبب نحن أمة عظيمة”.. فسحقا للقومية العربية الحاقدة و تبا للوهابية المضللة، و التابعين لهما لأنهم أفرغوا الوطنية و الدين من كل ما فيه خير للبشرية و أشحنوهما بكل المساوئ و جعلوا مبادئهما شعارات و أقوال يرددها المريدون كالببغاوات و يجبرون الناس على التغني بمناقبهما الفارغة في كل وقت و حين وقد صدق الكاتب الأمريكي الشهير همنغواي حين قال بأن “أتعس أنواع السلطة هي تلك التي تفرض عليك أن تذكرها صباح مساء”..