في الواقع، تشكل الدراسة القيِّمة التي نقدم ملخصها بالعربية عن “محنة الريف: منطقة مضطربة في شمال المغرب” الصادرة باللغة الانجليزية عن مركز ابن خلدون بواشنطن، والتي نشرت يوم أمس الجمعة 28 شتنبر 2012 بموقع الجزيرة الانجليزية أهم الدراسات النوعية التي عالجت منطقة الريف من زاوية تاريخية وبموضوعية في التحليل قلَّ نظيرها في يوم العالم المتحيِّز هذا. صاحب الدراسة هو الدكتور الأستاذ “أكبر أحمد”، السفير الباكستاني السابق لدى المملكة المتحدة (بريطانيا/انجلترا)، والذي يشغل حاليا منصب الرئيس في مركز ابن خلدون للدراسات الإسلامية، في الجامعة الأمريكية في واشنطن العاصمة، الولاية المتحدةالأمريكية؛ وهو أوَّل منصب متميِّز كرئيس لقسم الشرق الأوسط والدراسات الاسلامية في الأكاديمية البحرية الأمريكية في أنابوليس بولاية ميرلاند، بمعية زميله أكينز هاريسون. دراسة السفير الأكبر حول “مأساة الريف” هي الثانية عشر من سلسلة الأكبر التي ينشرها في موقع قناة الجزيرة الاخبارية باللغة الانجليزية، ويمكن القول بأنها أول دراسة دولية في عصرنا هذا، في اعتقادي، التي خصصت لمنطقة الريف من معهد دولي يهتم بشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. الدراسة، وهي خلاصة مجهود من العلماء والباحثين المتخصصين الدوليين عن مركز ابن خلدون بأمريكا؛ “تستند الاضطرابات في منطقة الريف من التاريخ العاصف للريفيين كشعب تعرض للتنكيل من المركز المغربي” تضيف الدراسة وتقول: “إن فهم العلاقة بين الريف والمغرب يجب أن يُنظر إليها من زاوية تاريخية شأن المناطق الأمازيغية الأخرى التي عانت من حروب وصراعات مع السلطة المركزية المخزنية”. تعرض هذه الدراسة كرونولوجيا الأحداث التاريخية الكبرى بالريف، من خلال فهم العلاقة المتوترة بين الريف والسلطة المركزية في المغرب للبحث عن أسباب “محنة الريف”، على مدى عقود من الزمن. يؤكد السفير الأكبر أن المقاومة الشرسة للريفيين، عبر التاريخ، ضد الدول المجاورة كانت بسبب شعورهم وميلهم نحو الاستقلال؛ نحو تسيير الريف من طرف أبناءه، متخذاً من علم التاريخ مرشداً وهادياً. ويتمثل هذا الميل الاستقلالي للريفيين في الصدام المستمر مع السلطة المركزية القائمة في بلاد المخزن، كإحالة للكاتب إلى زحف جيش المخزن لبلاد الريف في أواخر القرن 19. ليسرد الدكتور السفير أحمد الأكبر هذا التاريخ الدموي بين الريف والمخزن في صراعات وصدامات مختلفة سعى خلالها الريفيون إلى تحقيق الاستقلال، لكن مع دخول الاستعمار الأوربي إلى المنطقة الريفية منذ سنة 1912 بتفويض من السلطة المركزية في مراكش (المغرب حاليا) أصبح الريف لأول مرة تحت الحكم المركزي المغربي بموجب ما سُمي آنذاك باتفاقية الحماية. يستمر السفير الأستاذ الدكتور أكبر أحمد، أستاذ كرسي ابن خلدون للدراسات الاسلامية بواشنطن العاصمة، في هذا الاتجاه، في محاولة فهم االعلاقة المتوترة وغير الطبيعية بين الريف والمركز (المغرب) والفروق القائمة بين المنطقتين بإعلان الريفيون بقيادة الزعيم والرئيس محمد بن عبد الكريم الخطابي سنة 1921 عن الاستقلال وتأسيس دولة الجمهورية الريفية كدولة قائمة بذاتها ومستقلة عن الحكم المغربي وعن الحماية الاسبانية في الشمال المُضطرب. لم يكتفي السفير الأكبر بالحديث عن هذه الحقبة المنسية بل زاد إلى حيثيات الاستقلال الشكلي لدولة “المغرب لنا لا لغيرنا” والذي على إثره أُدمج الريف قسراً داخل مجال الحدود الجغرافية الجديدة المصطنعة لبلاد المغرب تحت نظام الحكم العلوي. كان هذا سبباً آخر في قيام شرارة الانتفاضة والثورة بقيادة ميس ن رحاج سلام أمزيان ضد النظام العلوي الحاكم في المغرب التي وصلت أوجّها في سنتي 1958/1959. بيد إن رد السلطة المخزنية المركزية على “ثورة الحرية والاستقلال” كان سريعاً؛ بالقمع الوحشي الشديد عندما زحف الجيش المغربي نحو المنطقة الريفية المحتلة من جهاتها الأربع في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي. وتعكس هذه التطورات، إلى جانب –يُضيف الأكبر- تعرض طائرة عسكرية كانت تُقِّل الحسن الثاني للقصف بالنيران من طرف قناصة الريف عندما كانت تحلِّق فوق المجال الجوي الريفي؛ نظرة لم يعد “الضم” و”الإلحاق” للريف إلى المغرب يعني الاستقرار والسلم للشمال “المُضطرب”. يواصل السفير أحمد الأكبر، في كرونولوجيا المحطات والصدامات بين الريف والمخزن، ليتطرق إلى الأحداث التي عرفتها منطقة الريف في سنوات “التقويم الهيكلي” ليذكرنا بانتفاضة الخبر في الثمانينات، وكيف وصف الحسن الثاني الريفيون آنذاك بالأوباش… تكتمل هذه المعطيات الدقيقة المستمدة من التاريخ المعاصر الموشومة بالدم الريفي في دراسات مركز ابن خلدون بفضل أحمد الأكبر وزميله هاريسون، لنعود بها إلى مقدمة الدراسة التي افتتحها السفير الأكبر بالحديث عن قضية اللاجئ السياسي الريفي حميد النعيمي، بالتطرق إلى حيثيات التهديدات بالقتل التي كان يتعرض لها النعيمي من طرف عناصر المخابرات المغربية عند تواجده بمريتش (مليلية) في ضيافة التلفزيون الشعبي لمريتش في نشرته بالريفية مع الصحفي الريفي المقتدر ماسين حارتيت، حيث دأب هناك على فضح فساد السلطة المركزية وسياسة النظام المغربي الممنهجة داخل محيط الريف الذي لازال هذا الأخير يشكل شوكة لإدارة النظام. زيادة على كل ما سبق، لم ينسى السفير الأحداث الأخيرة التي عرفتها منطقة الريف لاسيما أحداث الريف الأوسط وما شهدتها من احتجاجات وصدامات مباشرة مع قوات القمع المغربية والتي تطرق إليها بالإشارة إلى “الأساليب الوحشية التي استخدمتها الشرطة المغربية لسحق الانتفاضات في الريف المضطرب” يقول السفير. علاوة على الإقصاء والتهميش والتهجير والحصار الاقتصادي والإعلامي للريف وما تعرفه المنطقة من ارتفاع مهول لمعدلات البطالة….. وفي الأخير، يُخلص السفير في دراسته القيِّمة إلى أن الريفيون يشعرون بالإهمال من المركز الذي تركهم لعقود طويلة. ويوصي بوضع سياسات سليمة لضمان الحقوق الكاملة والشاملة للمواطنين الريفيين والمغاربة على حد السواء والاعتراف بتاريخ الريف وخصوصياته، وعندئذ فقط يمكن جلب السلم والاستقرار في المحيط الشمالي المضطرب. على سبيل الختم؛ كان هذا بعض ما جاء في الدراسة الصادرة عن مركز ابن خلدون للدراسات الاسلامية بواشنطن للسفير أحمد الأكبر، الذي وصفته السي بي سي بأنه “المرجع الرئيسي في العالم حول الاسلام المعاصر”، وهو مؤلف لأكثر من عشرة كتب حائزة على جوائز مختلفة كما نشر عدة دراسات جيوستراتيجية عن آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا. وقد قمنا بتلخيص هذه الدراسة الفريدة من نوعها بالاستعانة بخدمات الترجمة الفورية لغوغل من الانجليزية إلى العربية. فإلى هنا، دعوة لكل المهتمين المتمكنين من اللغة الانجليزية للعمل على ترجمة هذه الدراسة إلى لغات أخرى (الأمازيغية، الاسبانية، العربية، الفرنسية، الهولندية، الألمانية..) وإرسالها إلى مجالات متخصصة ومنابر إعلامية أخرى للنشر وتعميم الفائدة. تنويه: الدراسة محفوظة للجزيرة؛ مرفقة بفيديو القناة عن الحراك الشعبي بالمغرب.