حقائق تاريخية خطيرة: بأمر من مكتب المغرب العربي بالقاهرة تم إنزال الخطابي من ” ss katoomba ” عاشور العمراوي حكاية خطف الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي من بين أيدي الفرنسييين، تم التطرق إليها في الكثير من الكتب التي ألفها حولها الكثير من الكتاب الكبار بالعالم وكبار سياسييه، وكانت السيناريوهات تختلف من كتاب لآخر بتفاصيل مختلفة، أغلبها لم تكن تستند إلى مصادر قوية وصادقة، باستثناء كتاب واحد ومقالين صحفيين، الكتاب هو ” ظلام السجن ” لمؤلفة محمد علي الطاهر بالقاهرة سنة 1951 ، والجريدتان هما ” الحياة ” صدرت بلندن بتاريخ 5 مارس 1995 ، والشرق الأوسط كذلك نشرت في لندن بتاريخ 11/12 يوليوز 1993 ، كما أن الحياة كانت قد نشرت تفاصيل حكاية الأمير الخطابي لكاتبها الطاهر نفسه في طبعتها بتاريخ 7 يونيو 1962 وقتها كانت الجريدة تصدر في بيروت، وقد تم توثيقها كذلك في السيرة الذاتية للمستشار الصحافي للملك فاروق بمصر كريم ثابت . بالقاهرة ومنذ سنوات العشرينات ، محمد علي الطاهر كان يحافظ على علاقات جيدة مع الوطنيين في المغرب الكبير، هؤلاء العاملين ” حسب الطاهر ” على تحرير الاوطان في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب. ورغم عدم لقائه بالأمير الخطابي إلا انه كان يقدره كثيرا وهو يسمع عن انتصاراته خاصة معركة أنوال المجيدة ، ففي يوم 23 ماي 1947 توصل محمد علي الطاهر ببرقية جاءته عن طريق السيد ” عبدو الحسين الأضحل ” وهو شخص معروف لديه ضمن محيط الشيخ عصمان المقيم بالقرب من مدينة عدن باليمن جاء فيها : بأن محمد بن عبد الكريم الخطابي قد غادر عدن في 23/05/1947 على متن (ss katoomba) ، وتحمل توقيع الأضحل. البرقية جاءت بالإنجليزية وترجمها محمد علي الطاهر. الضجة التي سبقت البرقية كانت تفيد : حسب الطاهر ” بأن فرنسا تريد ترحيل الخطابي من مقر سكناه بجزيرة لارينيون إلى منفى آخر بفرنسا، ورغم أن الطاهر ومكتب المغرب العربي كانوا على علم بهذه الضجة ، إلا أنهم لم يكن لديهم أي علم بتاريخ حدوث الترحيل، حتى جاءت البرقية التي وضعته أمام الامر الواقع ، وهو استشارة أعضاء مكتب المغرب العربي آنذاك الذين قرروا العمل على خطفه من أيدي الفرنسيين، وواضح هنا أن الفكرة كانت لممثل المغرب بالمكتب والذي استشار بدوره السلطان بن يوسف الذي أمر بذلك كي لا يصبح الخطابي ورقة ضغط من العيار الثقيل بأيدي الفرنسيين الذين كانوا قد عينوا سلطانا آخر على المغرب ” بنعرفة ” لإرغام بن يوسف على التوقيع على اتفاقية الإستعمار الجديدة ” إيكس ليبان ” بعد الأستشارة الخطيرة التي تعد بمثابة الخيانة الثانية بعد المفاوضات السرية مع الإستعمار الفرنسسي في غياب تام لقيادات جيش التحرير، وقبل توقيع ” إيكس ليبان ” التي تحول اليوم دون تحقيق تقدم بلدنا وتطوره، وتمنع أي انفراد بالقرار على السلطة القائمة. البرقية بالفرنسية وموقعة باسم محمد علي الطاهر رئيس اللجنة الفلسطينية بمصر. Le coup d'envoi fût lancé par Eltaher qui adressa le télégramme suivant, traduit de l'Arabe ci-après, au roi Farouk d'Egypte juste après minuit le 27 mai 1947: “Sa Majesté le roi Palais Koubbeh – Le Caire J'ai reçu un télégramme provenant d'Aden et indiquant que l'Emir Abdelkrim El-Khattabi, émir du Rif à Marrakech et, depuis vingt ans, prisonnier de la France dans l'île de La Réunion, est à présent en route vers un nouvel exil au sud de la France. Il arrivera demain mardi à Suez à bord du navire ‘Katoomba'. Son sauvetage repose sur la considération de Votre bienveillante Majesté en l'invitant à descendre à terre. La France n'a d'autorité sur lui que celle du kidnappeur sur son kidnappé. Il n'est pas citoyen français, et tant que le navire est à l'intérieur de nos eaux, celui-ci sera légalement sous l'autorité du gouverneur de Suez. Les bons actes historiques de Votre Majesté tels qu'en témoigne le monde islamique m'ont inspiré à soumettre cette question à la considération de Votre Majesté avec mes prières (au Seigneur) qu'Il protège votre sublime personne. Signé; Mohamed Ali Eltaher Président du Comité palestinien en Egypte" فقد قام السيد محمد علي الطاهر بإرسال البرقية مباشرة إلى قصر القبة، الإقامة الرسمية للملك، بدلا من إرسالها إلى مكتبه ( الملك ) بقصر العبدين، من أجل التأكد بتوصل الملك بالبرقية في نفس الليلة، هذا الأمر يؤكد قوة من يدفعون سياسيا وراء البرقية التي يحملها الطاهر لرفعها للملك، هؤلاء الحريصين على عدم إنفلات الخطابي من أيديهم ليستمر الحكم العلوي بالمغرب في مأمن من أي تهديد. توصل الملك فاروق بالرسالة في نفس الليلة، أكده المستشار الصحافي للملك ” كريم ثابت باتشا ” ، كما أكد عن إسم مرسلها السيد محمد علي الطاهر صاحب ومالك جورنال ” الشورى ” . الطاهر وزملاؤه بمكتب المغرب العربي، قرروا بعد تأكدهم بتوصل الملك بالرسالة ، الشروع في المرحلة الثانية للخطة التي فصلت تفاصيلها بالرباط وذلك بتاريخ 30 ماي 1947 ، فريق منهم توجه إلى ميناء السويس للقاء الخطابي ومناقشته بأمر اللجوء، وفريق آخر توجه إلى بورسعيد لقيادة المرحلة الأخيرة. عند وصول الباخرة للسويس ، قام الأمير علي ” الكولونيل ” محمد الحسين حلمي الباي ، الذي كلف من قبل الملك فاروق للحديث مع الخطابي، بالصعود إلى ظهر الباخرة وبلغ الخطابي بالرغبة الملكية بالنزول والإقامة بمصر، وقد تفاجئ الخطابي بالخبر فوافق مبدئيا قبل أن يطلب إستشارة عائلته وإعطاؤه إجابته عند وصول الباخرة إلى بورسعيد، أما الكولونيل فقد إستقل القطار نحو بورسعيد منتظرا إجابة الخطابي. في بورسعيد تلقى حلمي الباي الإجابة من الخطابي بالإيجاب ، وراح يناقش معه تفاصيل السيناريو الذي يتوجب اتباعه قبل تقديم الطلب للسلطات المصرية في إطار حق اللجوء السياسي لنفسه ولعائلته . الخطابي نزل من الباخرة هو وعائلته علنا وأمام الملأ بدعوى التجوال في المدينة تماما مثلما فعل في عدن ، فتوجه رفقة أعضاء مكتب المغرب العربي و السيد محمد علي الطاهر ، إلى مكتب الحكومة ببورسعيد، فقام السيد فؤاد شيرين باتشا بتقديم طلب اللجوء وغادروا المنطقة إلى القاهرة نحو قصر العبدين أين كان السيد كريم ثابت باتشا في استقباله باسم الملك، ومن هناك وفي قافلة من سيارات القصر توجهوا إلى جناح الملك ( SIS) الهيئة العامة للإستعلامات في إنشاس نوعا ما خارج القاهرة، وقبل حلول الليل كان الخطابي وعائلته قد أصبحوا ضيوفا رسميين للحكومة المصرية، واعتبارهم ناجين من قبضة الفرنسيين. ملاحظات إظافية : في سنة 1977 وبحكم مصادفة ” صرفة ” ، علم السيد حسن إبن علي الطاهر الذي كان يعمل بالسعودية، بأن المسؤول الفرنسي الذي رافق الخطابي من ميناء دجيبوتي أين قامت ال (ss katoomba) بالتوقف إلى غاية ترحيله من بورسعيد، كان هو أيضا في العاصمة السعودية الرياض، وكان يدعى : ليوتنان كولونيل مشيل لسورد ، إلتقاه حسن وحكى له أنه أختير لمرافقة الخطابي من دجيبوتي إلى عدن ثم إلى السويس فبورسعيد، أين اختفى الخطابي، بحكم معرفته بالدارج المغربي وباللغة الأمازيغية ، وقد أكد له تردد الخطابي والإرتباك الذي أصاب المسؤولين الفرنسيين الذين لم تسجل عنهم شكوك أثناء العملية . نزول الخطابي بعدن كتب عنه السيد فاروق لقمان إبن محمد علي لقمان صاحب يومية (Aden Chronicle ) التي كانت تصدر بالإنجليزية بعدن ، هذا الاخير كان صديقا لمحمد علي الطاهر. ففي مقال بجريدة الشرق الأوسط نشرت بلندن في يوليوز 1993 كتب لقمان بأنه كان تلميذا في عدن وكان يعرف عبدو الحسين الأضحل الذي كان وراء إرسال البرقية الشهيرة إلى السيد الطاهر يعلمه بمغادرة الخطابي عدن باتجاه السويس. ويظيف، لم يكن أحد يعلم بقدوم بطل الريف على متن السفينة التي اضطرت للتزود باللوازم، لكن عندما نزل الأطفال للتجول بالمدينة ، إلتقى بهم الأضحل صدفة بشارع الزعفران وتعرف عنهم من خلال ملابسهم واللغة الامازيغية التي كانوا يتحدثونها ، فقام بتحيتهم وتحدث إليهم فاكتشف أنهم أبناء بطل الريف ، فدعاه إبن الخطابي سعيد الخطابي إلى الباخرة ورآى آنذال البطل وعرض عليه زيارة إلى بيت عائلته وجولة شرفية بالمدينة، فاختاروا إفطارا نظم بأحد الفنادق بعدن على شرف البطل وعائلته ، وقد أثارت هذه الزيارة إعجاب الآلاف من سكان العاصمة الإقتصادية الذين حجوا إلى الفندق لمشاهدة البطل ، وقد شاهدوه بالفعل بعد أن خرج في موكب سيارات هائل لزيارة المدينة وبالخصوص الكورنيش الذي غص بالجماهير. وعند الثالثة مساء من 23ماي 1947 غادرت (ss katoomba) ميناء عدن بالبطل وعائلته على متنها وهو يحييهم من فوقها ، وبادر الأضحل فورا بإرسال عدة برقيات إلى الكثير من المسؤولين الذين طالبهم بإنقاذ الزعيم الخطابي، ومنها برقية محمد علي الطاهر الذي كتب سنة 1962 بجريدة الحياة أن فرنسا كانت ترمي إلى تهديد السلطان محمد بن يوسف بتنصيب الخطابي ملكا للمغرب في حالة عدم رضوخ بن يوسف للإملاءات الفرنسية رضوخا كاملا ، الأمر الذي حصل سنة 1956 بموجب اتفاقية إيكس ليبان .