بعدما أقفل باب شركة «روتانا» في وجهها وفشلت في الدخول إلى مصر بسبب المنع الذي أصبح لغزاً لا يستطيع أحد حلّه، ما هو مصير الفنانة الجزائرية فلة التي اجتاحتها عاصفة من الأقاويل والإشاعات منعتها من اللحاق بركب زملائها من الفنانين وهي تواجه اليوم حالة من الضعف يعزو البعض أسبابها إلى الحرب الضروس التي نشبت بينها وبين لطيفة التونسية منذ 16 سنة ولم تهدأ بعد. فلة الجزائرية ولطيفة التونسية، فنانتان تنافستا – بحسب صحبفة الجريدة الكويتية - بشراسة على احتلال موقع مميز على الساحة الغنائية المصرية، إلا أن القدر كان لفلّة بالمرصاد فاتُّهمت بقضية أخلاقية دخلت بسببها السجن وأمضت فيه سنوات، وبعدما أنهت فترة عقوبتها غادرت مصر وهي تعلم تماماً أن هذه المغادرة هي رحلة ذهاب من دون إياب، فيما نسجت لطيفة في الفترة نفسها علاقات بالغة الأهمية اجتماعياً وفنياً، يكفي أن نقول إنها كسبت ودّ الشاعر عبد الوهاب محمد الذي أخذ بيدها وساعدها على ترسيخ أقدامها في الوسط الغنائي المصري، هكذا اتخذت لطيفة مصر بلداً ثانياً لها فيما استقرت فلة في لبنان. لم يعرف أحد من كان وراء سجن فلة حتى هي نفسها لم تكن تصرّح علانية بذلك، لكن فجأة، بعد مرور سنوات، أثارت هذه القضية مجدداً واتهمت فنانة غير مصرية بأنها وراء سجنها لأنها خشيت أن يشكل صوت فلة منافساً خطيراً لها، فدبرت لها هذه التهمة مستخدمة السلطة والنفوذ اللذين تتمتع بهما ومنعتها من دخول مصر، ولأن فلة لا تجيد لعبة العلاقات العامة على رغم عفويتها وخفة ظلها وقربها من الناس، فقد لعبت على وتر الأزمة المصرية -الجزائرية وادعت أن مصر لا تريد أن تفتح لها أبوابها لأنها مواطنة جزائرية. على خط متواز كانت لطيفة تطلق تصريحات تشيد بدور مصر الريادي وبأنها ستترجم حبّها لهذا البلد عبر أغنية تعبر فيها عن تعلّقها بأرض الكنانة. لا شك في أن مصر أعطت لطيفة الكثير، إذ تكفي علاقتها بالشاعر عبد الوهاب محمد التي بقيت راسخة حتى رحيله وهي تملك حق أداء أغنياته بعد مماته، فيما لم تستطع فلة تحطيم الحاجز الحديدي بينها وبين أرض الكنانة على رغم الوساطات التي أجرتها للعودة إليها، ولا يمكن نسيان كيف انتظرت أصالة وزوجها طارق العريان، منذ عام، في مطار القاهرة في مسعى لمحاولة إدخالها إلى مصر وطي صفحة الماضي ولكنهما لم ينجحا في ذلك. هل صحيح أن لطيفة هي وراء المؤامرة التي حيكت ضد فلة؟ هل صحيح أن لطيفة تملك من السلطة والسطوة ما يجعلها تقضي على فلة أو أي فنانة أخرى قد تشكل خطراً عليها، عبر تلفيق تهمة تدخلها السجن وتقضي على مستقبلها الفني في مصر؟ لماذا لم تلجأ فلة إلى طريقة مغايرة لإثارة العصبيات بين دولتين تشكل الأزمة الكروية بينهما حاجزاً نفسياً ينعكس توترها فنياً وسياسياً واقتصادياً؟ هل نسيت فلة أنها ممنوعة من دخول مصر قبل سنوات من هذه الأزمة وهي تدرك تماماً أن قضيتها تنحصر بمقولة «فتش عن المرأة»؟ بالعودة إلى لطيفة، فإذا كانت هي بالفعل من يقف وراء منع زميلتها الجزائرية من دخول مصر، فقد بلغت الآن مرحلة الاستقرار الفني أو بمعنى آخر الجمود الفني، إذ لن تزيد شهرتها ولن تنقص وأصبح سقف نجاحها معروفاً ومعجبوها هم هم لم يقلوا ولم يزيدوا، تقدّم الأعمال الفنية على مزاجها بعيداً عن الالتزام بموعد معين، إما تطرح أغنية منفردة أو البوماً خليجياً أو تصوّر كليباً أو كليبين دفعة واحدة، تدير أعمالها بنفسها وتقرر وتقبل وترفض... يكفي أنها تحتفظ في مشوارها الفني بثلاث علامات فارقة: الأولى أنها مثلت تحت إدارة المخرج العالمي يوسف شاهين، الثانية وقوفها على المسرح الرحباني، والثالثة أداء أغنيات من ألحان زياد الرحباني. إذاً، وصلت إلى مكانة تجعلها تكفّ عن مضايقة أي زميلة لها، مع أنها لم ترحم إحدى معجباتها عندما حُكم عليها بالسجن بسبب الإزعاج الذي سبّبته لها نتيجة هوسها بها ومضايقتها. وعلى الرغم من مناشدة هذه المعجبة المهووسة لطيفة بالإعفاء عنها وإسقاط حقها الشخصي وبالتالي إنقاذها من السجن، أصرت لطيفة على تنفيذ الحكم الصادر بحقها من دون أن يرقّ قلبها. إذا كان الفنان يتمتع بقدر كبير من العاطفة والقلب الكبير، عليه أن يستوعب مثل هذه الظواهر على رغم عنفها ومن دون أن يلحق الضرر بالمعجب المتيم كما حصل مثلاً مع الفنانة باسكال مشعلاني التي سبب لها معجبها مضايقات وصلت الى حدّ تهديدها وتهديد زوجها ملحم أبو شديد، وكان آنذاك مدير أعمالها فحسب، إلا أنها ما لبثت أن عفت عنه عندما تركها في حالها. بالعودة إلى فلة، صاحبة الصوت الذي لا ينكر أحد جماله والتي لم تأخذ حقها على الإطلاق كموهبة غنائية لا يستهان بأهميتها، ما الذي ستفعله اليوم خصوصاً أنها تبدو وحيدة من دون إدارة أعمال ترعاها وشركة إنتاج تتيح لصوتها أن ينتشر في العالم العربي من خلال تقديم ألبومات وأعمال غنائية مصوّرة؟ تبدو كريشة في مهب الرياح الفنية العاتية إلا أنها لا يمكن أن تستمر طويلاً في حالة الضعف هذه لا سيما أنها في مرحلة فنية وعمرية دقيقة، إذاً عليها أن تلحق بأسرع وقت بركب زملائها الفنانين الذين يحاولون قدر المستطاع الإفادة من سنوات النجومية القليلة المتبقية مادياً ومعنوياً، حتى ما إذا حانت ساعة الانسحاب من الساحة أو انحسار الأضواء عنهم يكونون قد جنوا ما جنوه من مال وذكريات عن مجد وشهرة يرافقانهم في لحظات الوحدة والهدوء والسكون.