تعاملنا في مؤسسة الرهان، سواء من خلال الجريدة الورقية أو من الموقع الإلكتروني www.arihan.net بما استطعنا من موضوعية مع مؤتمر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وسنواصل هذا المنهج الذي يعتبر جزء لا يتجزأ من خطنا التحريري، علما أن تعاملنا هذا، ليس فقط مع الجمعية، بل مع كل المؤسسات والفاعلين في البلاد. وفي هذا الصدد ننشر نص البلاغ المطول كما توصلنا من فرع فاس للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهو مفتوح للنقاش والتعليق، وسننشر كل التعاليق التي نتوصل في الموضوع: نهدف من خلال هذه المداخلة التعبير عن رؤية مجموعة من مناضلي ومناضلات الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، رؤية تراهن قبل كل شيء على تعرية الحقائق ونشر المعرفة بالإشكالات الحقيقية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان. ومن ثم المراهنة على إمكانية تجاوز الأزمة، فالهدف لم ولن يكن خوض الصراع ضد فلان أو علان وإنما هو رهان على قدرات الفاعلين بمختلف أطيافهم على خلق مؤسسة ديمقراطية تتبنى حقوق الإنسان وتتملكها، أي تستوعبها فكرا وتترجمها ممارسة، ولا تتزين بها كشعارات أو ترتديها أقنعة منفصلة عن الذات. الجمعية المغربية لحقوق الإنسان هي مؤسسة منبثقة من المجتمع المغربي والوهم الكبير هو حينما نعتقد أننا فوق المجتمع وننظر إليه باستعلاء، والواقع أننا نعيد إنتاج نفس الممارسات واستنساخ نفس التجارب التي تنتجها المؤسسات السائدة بدءا من القبيلة إلى أعتى نقابة ومختلف المؤسسات. وإذا كانت ثمة إمكانية للتخلص من هذا الوهم فلا بد أن ننطلق من بداية ضرورية: الوعي بهذه الحقيقة، وإن كانت مؤلمة، فهو الجسر الأساسي نحو بناء مؤسسة تعتمد حكامة رشيدة، مؤسسة تحترم قوانينها وتحفظ فيها الحقوق وتؤمن فيها المساواة بين كافة عضواتها وأعضائها. إن الأزمة العميقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان تكمن بالذات في التنكر لأزمتها وعدم الوعي بها، إنها أزمة وعي، ولكي نتجاوز أزمة الوعي لابد من وعي الأزمة وما سنعرضه من خلال التجليات، هو بمثابة أعراض تخبرنا أننا نعيد وبشكل مأساوي نموذج المؤسسات المفلسة، لم ولن ينفع أي خطاب حماسي ديماغوجي بأي لون كان أن يخفي هذه الحقيقة، كما أنه غير مجد في تجاوز الأزمة بل لا يسعه إلا أن يزيد من تعميقها. I. تجليات الأزمة: إن ما حدث في المؤتمر التاسع هو نتيجة طبيعية لانحرافات بدت واضحة 1) قبل المؤتمر وتتجلى أساسا في: 1. التمييز بين الفروع ومناضلي ومناضلات الجمعية. 2. التمييز بين النقابات والإطارات. 3. التعامل بانتقائية مع الملفات أثناء الترافع. 4. خرق قوانين الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. 5. التحيز في إعلام الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. 6. المركزية المفرطة، والاختلال بين الجهات داخل أجهزة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. 2) أثناء المؤتمر: 1. خرق القانون المادة 24، المادة 26 من القانون الأساسي. 2. التصويت بالتحفظ على التقرير الأدبي ب 144. التصويت بالتحفظ على التقرير المالي ب 132 وهو سابقة في تاريخ مؤتمرات الجمعية. 3. سحب أغلب المترشحين لترشيحاتهم للجنة الإدارية منهم مكونات سياسية ومنهم دون انتماء حزبي، ولا نتحدث هنا عن المستقلين فهذا النقاش شائك، نتمنى أن تتاح لنا الفرصة للخوض فيه. فكما أن عدم الانتماء لا يعني بالضرورة الاستقلالية فإن الانتماء لا يعني بالضرورة عدم الاستقلالية. 4. التصويت على البيان العام ب 171 صوتا في حين أن عدد المؤتمرين هو 420. 3) بعد المؤتمر: عرف النقاش بعد المؤتمر انحرافا خطيرا وغير مقبول وخصوصا في جمعية حقوقية، فبدل النقاش الموضوعي اعتمادا على وقائع تم التراشق بالنعوت وفق المنطق البائد التكفير/ التخوين. II. تحليل الوقائع: تحديد معالم الأزمة إن العنوان العريض لأزمة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان هو "الهيمنة الحزبية اللامشروعة" أفرزت سلسلة أزمات متداخلة ومتعددة، فأزمة الاستقلالية وأزمة التعددية وأزمة الديمقراطية وأزمة عدم احترام القوانين وأزمة الأجهزة أولا وأخيرا، يجمعها الخيط الناظم: هيمنة حزبية لا مشروعة. هكذا تصير الجمعية ترتهن بحسابات خارجها وتدبر باستراتيجيات لا تنتج في رحمها، نعم إننا نعرف أن هذه الممارسات ليست وليدة اليوم ولا وليدة المؤتمر التاسع للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إنها ممارسات تسكن العقل السياسي المغربي، وفق نموذج سيزيفي مغربي، لا حاجة للتذكير أن رهن المدني بالسياسي فيه ضرب لهما معا وأن قوة كل إطار وكل حقل إنما تكمن في إمكاناته وليس في ارتهانه أو بالأحرى في تخفيه خلف إطار آخر؛ ماذا ينتج عما سبق ذكره؟ لابد أن نذكر بمسلمة يعرفها الجميع، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان هي أداة وقيم حقوق الإنسان هي غايات وحين تسير هذه المسلمة على رأسها، أي حينما تصبح الجمعية المغربية لحقوق الإنسان غاية وتصبح قيم حقوق الإنسان أداة نفهم النتائج الكارثية للمؤتمر التاسع فلم يعد للمقررات كمنتوج أدبي لمضامينها ورهاناتها الحقوقية كبير أهمية. فقد هربت اللجنة الإدارية حتى لا تؤثر على مخطط السيطرة على الأجهزة الهدف الأول والأخير من المؤتمر التاسع. أزمة الديمقراطية: لن نغوص في تشريح مفهوم عرف منذ أزيد من 2400 سنة بل سنكتفي بمبدإ الديمقراطية الوارد في ديباجة القانون الأساسي للجمعية ونعتقد أنه يفي بالغرض « ... الديمقراطية كقاعدة للتعامل داخل الجمعية لضمان مشاركة كافة أعضائها في تحديد توجهاتها ومواقفها الأساسية وفي نقلها إلى حيز الممارسة....» ولأن الجمعية تعتمد المرجعية الكونية لحقوق الإنسان فذلك لا يطرح مشكلا عويصا في بلورة المواقف والتوجهات ولكن تطرح المشاكل التي لا يمكن تجاوزها حينما تعتمد المرجعية الحزبية ويراد إسقاطها عنوة على الجمعية الحقوقية فلكل حزب رؤيته السياسية والمذهبية، ولذلك فحضور المنطق الحزبي سيتتبع بالضرورة منطق الإقصاء، ومن ثم اللجوء إلى خرق القانون وفبركة المساطر التي تضمن السيطرة على الأجهزة ومعاداة الفروع الذين لايحسبون من الأتباع أو أتباع الأتباع. إن الاعتماد على قوانين الجمعية للبرهنة على ديمقراطيتها، مغالطة كبيرة، لأن قوانين كيف ما كانت طبيعتها فهي غير مكتملة بل خاضعة لجدلية تطور الوعي والواقع فأرقى القوانين اليوم قد لا تكون كذلك غدا، وهو ما نلاحظه حتى في أرقى الدساتير، والتي تستدعي تعديلات دورية حتى تتلاءم مع الواقع، إن المشكل الأساسي هو في احترامها. فاحترام قوانين الجمعية هو المعيار الوحيد للديمقراطية. في حين أن قوانين الجمعية أصبحت ضحية الرغبة الجامحة في السيطرة على الأجهزة. سواء قبل المؤتمر من خلال ما يسمى بمكتب جهة فاس أو أثناء المؤتمر حيث عرف انتخاب لجنة الرئاسة خرقا فاضحا للمادة 24 من القانون الأساسي والتي تنص على « يعرض المكتب المركزي تقرير اللجنة الإدارية الأدبي والمالي وبعد مناقشتهما والبث فيهما، يقد المكتب المركزي واللجنة الإدارية استقالتهما أمام المؤتمر، ليشكل المؤتمر من بين أعضائه لجنة الرئاسة المتكونة من رئيس ومقرر ومساعد إلى ثلاثة مساعدين» وهو ما لم يحدث، بمعنى أن المؤتمر لم يكن سيد نفسه. أكثر من ذلك، تم انتخاب الأجهزة في خرق تام للمادة 26 من القانون الأساسي التي تنص على « تنتخب اللجنة الإدارية إما عن طريق الاقتراع السري المباشر وإما عن طريق لجنة الترشيحات يشكلها المؤتمر من أجل تقديم لائحة المترشحين للجنة الإدارية قصد البث فيها من طرف المؤتمر». الواقع لم يكن اقتراع سري مباشر، بل كانت هناك لائحة حصرت في 63 مترشحة ومترشحا، لكن هذه اللائحة على اعتبار أنها لائحة كان يجب أن تعرض على لجنة الترشيحات لتعرض فيما بعد على المؤتمر في حين أن رئاسة المؤتمر هي من قام بهذا الأمر، فالقانون لا ينص على الحد الأدنى بل الأقصى المادة 7 الفقرة 2 « تتكون اللجنة الإدارية من 75 عضوا على الأكثر...». إن مثل هذه الخروقات للقانون الأساسي تعكس هاجس السيطرة الأحادية على الأجهزة، والسيطرة الأحادية على الأجهزة تفتح الباب على مصراعيه للإقصاء الممنهج لباقي المكونات ولمختلف الآراء والتوجهات، والانحياز المكشوف ودون مساءلة لانعدام التوازن في الأجهزة ( ولنا تجارب يعرفها الجميع ونحن مستعدون لتقديم المزيد لمن يرغب في الاطلاع على ذلك) فالتعددية ضمانة للديمقراطية. ومن هنا تتجلى لنا أزمة الديمقراطية في خرق واضح لمبادئ الجمعية والذي ينص على ضرورة إشراك كافة الأعضاء فما بالك بالمكونات. مثل هذه الممارسات لا يمكن أن يقوم بها إلا حزب سياسي كيف ما كان حجمه فيكفي أن يقبل بذلك كاختيار سياسي وهو ما يعكس أزمة الاستقلالية، كما أن المركزية المفرطة هي اختيار سياسي أيضا حالت دون التطور الطبيعي لعمل الجهات وبناء مكاتب حقيقية منبثقة عن مؤتمرات جهوية. III. رهان تجاوز أزمة الجمعية لا بد من الاعتراف بصعوبة هذا الرهان، وذلك للاعتبارات التالية: إن تجليات الأزمة تخفي إشكالات نظرية عميقة، لا نظن أن أحدا يملك الأجوبة الدقيقة عليها مما يتطلب اجتهادات نظرية تشارك فيها كل مكونات وكفاءات الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. هذه الأزمة لا تنفرد بها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بل هي أزمة تستمد جذورها من المجتمع المغربي بكل أبعاده السياسية والثقافية. كون الوعي السياسي سابق على الوعي الحقوقي يحكم النقاشات داخل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ويحد من فاعليتها ويجعلها في كثير من الأحيان رهينة قرارات لم تنبع من رحمها. ومع ذلك نراهن على إبداع تجربة رائدة في تجاوز الأزمة التي تقوم على: 1. القطع مع الطابوهات التي سرعان ما تشكلها الإطارات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان واحدة منها، وبالتالي امتلاك شجاعة قول الحقيقة كل الحقيقة حتى يتمكن جميع الأعضاء والعضوات من بناء مواقف وفق معلومات كاملة وصحيحة. 2. تشخيص الوضع تشخيصا موضوعيا تشارك فيه كل الأطراف والآراء حتى تكون نتيجة التشخيص مقبولة من طرف جميع الراغبين في تجاوز الأزمة. 3. وقبل ذلك توفر الارادة التي ترفض الاعتراف بوجود الأزمة ورغبة حقيقية في تجاوزها مع ما يتطلب ذلك من موقف وممارسة جريئتين. 4. العمل على أن لا تكرر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وبشكل مأساوي تجارب الإطارات الأخرى، من صراعات غير منتجة أو انقسامات، فالانقسام قد يتحول إلى انشطارات لا متناهية. فلقد تميزت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الدفاع والنهوض بحقوق الإنسان وسنعمل مع من يرغب في ذلك أن تتجاوز أزمتها بشكل متميز وذلك في احترام تام لمبادئها وقوانينها.