اسماعيل الرباطي (تحليل إخباري خاص بالرهان بريس) لم تثر أية قضية من قضايا العمل الحكومي منذ تعيين حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران، ما أثارته محاولة إصلاح الإعلام العمومي، والسبب هو أن الإعلام ليس فقط سلطة خامسة بل سلطة فوق كل السلط، باعتباره الأداة الأولى للتأثير. بعد نشر دفاتر التحملات يتضح أنها تعكس حقيقة الصراع الذي يعيشه المغرب بين من يرد أن يدجن المغاربة وبين من يريد أن يفتح لهم أعينهم على قضايا السياسة. ويتضح هذا من خلال إعطاء الحيز الأهم في أوقات الذروة للنقاش السياسي، وليس للترفيه. هذه هي النقطة المفصلية، والتي قام لمقاومتها مدراء نافذون بقنوات تلفزية بحجة "خطر تراجع نسبة المشاهدة"، بالرغم من أن القنوات تستفيد من دعم خيالي من المال العام، أي أن نسبة المشاهدة المفترى عليها، لا تحقق دخلا يعوض عن الدعم العمومي. وكانت حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي قد فشلت في إصلاح الإعلام، وكان وزير الإتصال آنذاك الإعلامي المقتدر العربي المساري قد حاول إدخال تغييرات في الإعلام العمومي دون أن يتمكن. وللتذكير فإن التلفزة الرسمية آنذاك (القناة الأولى)، كان يديرها والي من وزارة الداخلية وقائد ممتاز من نفس الوزارة أيضا (هذا كان واقعا وليس نكتة). وفي يوم من الأيام، وجه الوزير رسالة لوزير الداخلية مرفوقة بقرار إنهاء الإلتحاق للموظفين المذكورين بوزارة الإتصال، بما يعني إعادتهما إلى مكان عملهما الأصلي .. لكن، لم تكن المسألة بهذه السهولة، وغادر الوزير وزارة الإتصال، ولم يغادروا هم مناصبهم، إلى أن جاءت تغييرات هيكلية لاحقا جعلت موظفي وزارة الداخلية يعودون إلى ما كان يعرف ب"أم الوزارات". وبالرغم من التغييرات التي يعرفها المغرب، فالإعلام العمومي لم يتغير بالشكل المطلوب. وحتى توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في الموضوع بقيت حبرا على ورق. فهل ينجح بنكيران وفريقه في إحداث التغيير في الإعلام العمومي؟ لمصلحة المغرب والمغاربة، إن النجاح في هذا الورش سيقدم المغرب قرونا إلى الأمام، لأنه سيصالحهم مع أنفسهم وسيمكنهم من الإنخراط في السياسات العامة، بالمتابعة والنقد والإقتراح. واليوم، يمكن القول إن الصراع بين من يريد أن يكون النقاش السياسي في أوقات الذروة، وبين من يريده أن يكون بعدما ينام أغلب المغاربة .. وأيضا بين من يريد أن تبث المسلسلات المكسيكية في أوقات الذروة وبين من يريد الإنتاج الوطني .. ولهذا يحتدم النقاش، وعلى أنصار التغيير أن يخرجوا النقاش من "دفتر التحملات ما دفتر التحملات" إلى الحديث بلغة واضحة عن مضامين دفاتر التحملات هذه. إنها معركة كبرى .. معركة الإعلام التي تعتبر أكبر المجالات التي يتعثر فيها التغيير .