نزلت حركة العدل والإحسان من حركة 20 فبراير، بعد أن امتطتها لحظات بعد انطلاقها بمبادرة من شباب مغربي متعدد الإنتماءات رفقة آلاف الشبان بدون أي انتماء سياسي لتنظيم أو جهة معينة. في هذه الأثناء، تعددت الإتهامات بين أطراف الحركة حول خلفيات هذا الإنسحاب، بين متهم للعدليين بالإعداد للتوافق مع الحكم أو حكومة بنكيران، وبين رأي العدليين أنفسهم المغرق في العموميات من قبيل "خروج الحركة عن أهدافها" دون ذكر التفاصيل. وكما لا يخفى عن المتتبعين المستقلين، فإن الأبعد عن ذكر الحقيقة هم أطراف هذا الصراع لا جهة اليمين ولا جهة اليسار، وعلينا انتظار بعض الوقت لفهم الدوافع الأقرب للحقيقة لإنسحاب العدل والإحسان من حركة احتجاجية راهنت عليها لتأطير الشارع في مواجهة الحكم. وإلى ذلك الحين يمكن الإشتغال على عدة فرضيات منها ما يلي: أولا، فرضية اعتبار العدل والإحسان أن حركة 20 فبراير وصلت إلى النفق المسدود، متمثلا في عدم "إطلاق الثورة ضد النظام" وهو الحلم الذي كثيرا ما عبر عنه عدد (وليس كل) نشطاء الحركة. ونستحضر هذا مع حلول الذكرى الأولى لرحيل الشهيد الأول للربيع العربي محمد البوعزيزي في تونس، وبداية "اضطراب" بعض الثورات منها الثورة المستمرة ضد نظام مبارك رغم سقوط رمزه وانسحاب إسلاميي مصر من الحراك الإجتماعي في "أم الدنيا"، وكذا اهتمام ملموس لأغلبية المغاربة بحكومة عبد الإله بنكيران. ومعلوم أن تكتيك العدل والإحسان معروف عنه أنه تكتيك يقظ جدا، وغالبا ما تريد هذه الحركة أن توقف شكلا معينا من أشكال الإحتجاج وهو في القمة، خلافا لحركات أخرى تتشبث إلى النهاية بأشكال احتجاجية ولو بقي فيها أصحاب المبادرة لوحدهم. من هذا المنطلق، يمكن انتظار أشكال احتجاجية أخرى للعدل والإحسان تقودها لوحدها، وتكون عدلية خالصة. ومما يزكي هذه الفرضية، احتمال مراهنة العدل والإحسان على انفضاض المهتمين بحكومة بنكيران من حولها، وبالتالي إمكانية لجوئهم إلى بديل "إسلامي" آخر، قد يكون، في نظر العدليين دائما، هو جماعة عبد السلام ياسين ذاتها. ثانيا، إمكانية أن تكون قوى فاعلة في حركة 20 فبراير قد احتلت مواقع متقدمة على مستوى تنظيم وتأطير الحركة، ومنها الإتجاهات اليسارية الداعية للعلمانية وبعض الإتجاهات المطالبة بالحريات الفردية. من المؤكد أن حركة العدل والإحسان لا تهتم لوجود هذين التيارين في إطار الحراك الإجتماعي، بدليل أنها اشتغلت معهم في انسجام تنظيمي أذهل العديد من المتتبعين. ولهذا، لن يؤثر على قادة العدل والإحسان وجود هؤلاء في إطار الحراك، وما يمكن أن يؤثر على العدليين هو تحولهم إلى مواقع قيادية في الحركة. وبالتالي عوض أن تستغلهم الحركة ك"درع واقي" لعدم الظهور لوحدها في مواجهة الحكم، قد يكون اليساريون والليبراليون استغلوا العدل والإحسان ل"الحشد" والرفع من أعداد المحتجين. هنا، ربما يكون رفاق عبد السلام ياسين، قد وجدوا أنفسهم منساقين عمليا في تثبيت قيم وأفكار ضد قناعاتهم. لكن، هذه فرضية قريبة من تفسير العدليين، وهي ضعيفة نظرا لطبيعة دهاء ومراس قادة العدل والإحسان. ثالثا، احتمال وجود مبادرة في وضع متقدم من الحكم تجاه العدل والإحسان. ويذكر أن العدل والإحسان حافظت دائما على احترام النظام الملكي، وحتى لما دعت نادية ياسين (ابنة المرشد) للجمهورية هي نفسها قالت إن ذلك كان رأيها الشخصي ومن منطلق أكاديمي، وكذلك قال فتح الله أرسلان الناطق الرسمي باسم الجماعة. ولما تولى الملك محمد السادس العرش، ورفع الحصار عن عبد السلام ياسين قال الأخير "إن محمد السادس سليل الدوحة النبوية الشريفة"، وكان هذا التصريح جوابا عن سؤال لصحافي لوموند آنذاك جون بيير تيركوا، لما سأل عن موقف الشيخ من إمارة المؤمنين. وهذا يعني في منطق الفقهاء أن الإنتساب لآل البيت تشريف قد يكون أكبر بالنسبة للمسلم من إمارة المؤمنين التي تعد مسألة مرتبطة بمسؤولية تدبير الدولة. وبالتالي وفق نفس المنطق، فاعتراف الجماعة بإمارة المؤمنين مسألة وقت لاغير، وقد يكون موقفها في الموضوع للتفاوض السياسي وليست قناعة مبدئية. اليوم، مع وجود العدالة والتنمية في الحكومة، قد يكون التطبيع مع جماعة ياسين، مدخلا لخلق توازن سياسي في الصف الإسلامي، وهذا ما قد يروق لأنصار ياسين أيضا الذين يدركون ككل الإسلاميين أن الصعود في الإتجاه الذي يظهر منه الضوء مهما كان بعيدا أفضل من محاولات فتح كوة في جدار سميك. عدد من اليساريين تبادلوا التهاني، وكأن نزول العدل والإحسان من حافلة "20 فبراير" كان بمثابة نزول "راكب ضخم الجثة". لكن، هل كان "الراكب" عبئا على الحركة، أم كان عنصرا جنبها بثقله مخاطر السرعة المفرطة؟ ومهما يكن، فبانسحاب العدل والإحسان من حركة 20 فبراير، دخل الحراك الإجتماعي مرحلة جديدة، مرحلة لا أحد يستطيع الجزم في من يملك مفاتيحها: العدليون أم اليساريون .. أم أن إيقاع الإحتجاج سيتغير؟ الجواب في الأيام أو الأسابيع القادمة.