أحمد جازولي وصول العدالة والتنمية إلى "المشور السعيد" يجسد تجربة في الوصول إلى الحكومة عبر صناديق الإقتراع. لكن تكليف الأمين العام للحزب بتشكيل الحكومة لا يؤكد أن الديمقراطية البرلمانية صارت منجزة في الواقع السياسي المغربي. كان بإمكان الملك أن يختار شخصا آخر من العدالة والتنمية وينتهي كل شيء. لماذا إذن لم يتضمن الدستور تنصيصا على أن يكلف الملك رئيس الحزب الأول بتشكيل الحكومة، عوض أن يختار من الحزب الأول شخصية لتشكيل الحكومة. قد يقول قائل، يجب أن تترك للملك حرية الإختيار، وهذا قول مردود عليه، لأن الإنتخابات هي ضمان أن يختار الشعب، وإذا عارض الملك اختيار الشعب، إنه سيكون أول من يطعن في شرعية قراره أو يشجع على انتقاد حكمه. لماذا لا يتم إقرار الممارسة التي جرت مع عبد الإله بنكيران، ويتم تعديل الدستور ليصبح الملك ملزما بتسمية رئيس الحزب الأول في الإنتخابات لتشكيل الحكومة؟ اليوم، إننا أمام ممارسة أكثر تقدما من النص. ورغم هذا، فعلماء السياسة يعتبرون أن وجود النص الذي يتيح صلاحيات واسعة للملك في هذا الباب، يجعل من الممارسة ممارسة استثنائية، أي قابلة ليتم التراجع عنها، وهذا ما يضعف مفهوم دولة الحق والقانون في الواقع. ليست هذه هي المسألة الوحيدة في الدستور التي كان بالإمكان صياغة اجتهاد متقدم بشأنها. هناك عدد كبير من القضايا ومنها ربط افتتاح دورات البرلمان بالجمعة الثانية من شهري أكتوبر وأبريل (الفصل 38)، عوض ترك البرلمان يشتغل طول السنة وفق ما يقرره كسلطة منتخبة ومستقلة. اليوم، حتى لما سيجمع بنكيران أغلبيته، عليه أن ينتظر افتتاح البرلمان في أبريل 2012 من أجل تقديم مشروع برنامجه الحكومي، اللهم إلا إذا تم افتتاح البرلمان في دورة استثنائية. وهذا كان من الممكن تجاوزه بجعل البرلمان يفتح أشغاله متى ما يريد باعتباره سلطة منتخبة، وعدم تقييده بمقتضيات دستورية تحد من حرية ممارسته لإختصاصاته إلى حين. انتخاب 395 نائبا ونائبة اليوم، لا يعني أنهم أصبحوا نوابا بإعلان النتائج، بل عليهم انتظار عقد الجلسة الإفتتاحية في أبريل، أي عليهم انتظار حوالي خمسة شهور قبل أن يدخلوا بناية البرلمان. في هذه الحالة، يبدو أنه من الضروري إقرار اجتهاد دستوري يسمح بافتتاح الولاية التشريعية، خصوصا أن الولاية الأخيرة كانت جارية لما تمت الإنتخابات. إن تحديد مدة اشتغال البرلمان في ستة شهور متفرقة (كما يقول المغاربة 3 عامرة و3 خاوية) يحد من قدرة تأثير البرلمان على السياسات العامة في البلاد. اليوم، نجد أن إجراء الإنتخابات في نونبر تترك النواب في حالة "انتخاب مع وقف التنفيذ" إلى حين انعقاد دورة أبريل 2012. يمكن تفعيل مقتضيات الفصل 39 من الدستور وجمع البرلمان في دورة استثنائية إما بطلب من الأغلبية المطلقة لأعضاء أحد المجلسين وإما بمرسوم، على أن تعقد دورة البرلمان الاستثنائية على أساس جدول أعمال محدد، قد يكون هو مناقشة مشروع البرنامج الحكومي، وتختتم الدورة بمرسوم. لكن كيف لدورة استثنائية أن تنعقد بدون رئيس وبدون مكتب لمجلس النواب؟ هل ستتوجه النخبة السياسية لإلتماس مبادرة ملكية لإفتتاح استثنائي للدورة التشريعية عبر مرسوم موسع يتضمن عددا من المهام من انتخاب الرئيس إلى التصويت على البرنامج الحكومي، على افتراض أن حكومة بنكيران قد تجهز بعد شهر ونصف على الأرجح. لماذا تعمد خياطو الدستور وضع هذا "التشامير" الضيق الذي يبرز عورة "مغرب يتحرك"، ويلجم خطوات المؤسسات ويرهنها بتصورات جاهزة لا تنظر إلى الواقع ولا تتابع طبيعية حركية القرار ثم تضع له اللباس الدستوري المريح؟ هل قدر المغرب أن يبقى رهينا للنموذج الفرنكوفوني الذي يعتمد دورتين والذي طلقته العديد من برلمانات دول ناطقة بالفرنسية؟ وفق الفصل 105 من الدستور المغربي الجديد، انتهت صلاحيات مجلس النواب الذي انتخب سنة 2007، بانتخاب مجلس النواب الجديد يوم 25 نونبر 2011. لكن ماذا بعد؟ متى يمكن لنوابنا ال 395 أن يدخلوا مجلس النواب؟ إنها بدايات أعطاب تطبيق الدستور.. رئيس حزب يضعه المغاربة في المقدمة ولا يتيقن من تكليفه بتشكيل الحكومة إلا بعد يومين لما سمعها من الملك مباشرة، وكان من الممكن ألا يسمعها إطلاقا رغم فوزه وعمله لسنوات في الأمانة العامة للحزب، لو أن الملك اختار شخصا آخر غيره. والعطب الثاني أن مجلس نواب منتخب غير قادر على أن يدخل المجلس الذي انتخب إليه لأنه ينتظر افتتاحا رسميا، وانطلاق دورة رسمية ولو بعد خمسة شهور من انتخابه، أي حوالي نصف سنة. لهذا نبهنا خلال النقاشات الدستورية لمثل هذه الأعطاب، لكن بعض الآذان لا تسمع إلا ما يرضيها... وها نحن اليوم نقف عند أولى الثغرات .. ثغرات سياسية وليست قانونية فقط !!