قبل 50 سنة، كانت كل امرأة مغربية بين 15 و44 عاما، تُنجب أكثر من 7 أطفال، قبل أن يتراجع هذا الرقم بشكل كبير إلى أقل من ثلاثة أطفال، وفق الإحصائيات الرسمية الخاصة بمعدل الخصوبة. ويحدد معدل الخصوبة بمتوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة في حياتها كلها. ويتم حسابه بقسمة عدد المواليد خلال سنة معينة على عدد النساء بين 15 و 44 عاما في نفس السنة وضربه في 1000. وسجّل تقرير حديث للمندوبية السامية للتخطيط انخفاض الخصوبة في المغرب بشكل ملحوظ منذ بداية الستينيات؛ إذ انتقلت من 7.2 أطفال لكل امرأة عام 1962 إلى 3.28 عام 1994 ثم 2.47 عام 2004 ثم 2.19 عام 2010، قبل أن تعرف استقرارا نسبيا عند 2.20 طفل لكل امرأة عام 2014. وعزت المندوبية السامية للتخطيط انخفاض الخصوبة إلى عاملين رئيسين: الأول تراجع سن الزواج الأول، والذي انتقل في المتوسط من 17.3 عاماً عند النساء في 1960 إلى 25.7 عاماً في 2014. والعامل الثاني يتمثل في الدور الهام الذي تلعبه وسائل منع الحمل، الذي كان يقدر استخدامها لدى النساء ب19.4 في المائة في بداية سنوات الثمانينيات، ولم يتوقف عن الارتفاع حتى بلوغ 70.8 في المائة عام 2018. وبحسب التقرير، فإن سن الزواج الأول عند المرأة يتغير وفق الظروف من خلال الاستجابة للأزمات، خصوصا أزمات القوام أو الظروف الاقتصادية المواتية، وتنخفض الخصوبة أو تزيد تبعا لذلك. وهكذا، تلاشت الزيادة الإجمالية في سن الزواج الأول عند المرأة المغربية منذ عام 2004، وانخفضت من 26.3 عاما في 2004 إلى 25.7 عاما في 2014 و25.5 عاما في 2018. وكشف التقرير أن النساء المغربيات أصبحن يملن إلى تأجيل مشروع الزواج مؤقتا، ويفضلن تحقيق الذات والحصول على استقلال مالي أولاً، وللقيام بذلك، يخترن مواصلة دراستهن والحصول على عمل. تراجع معدل الخصوبة.. تغيرات مجتمعية أم نتاج سياسة حكومية؟ يجيب الباحث في مركز الدراسات الاجتماعية بجامعة الرباط، كريم عايش، على السؤال بالقول "إن انخفاض معدل الخصوبة في المغرب مرتبط أساساً بعوامل اجتماعية واقتصادية"، مبرزا أن "المغرب أطلق حملة ضخمة بداية الثمانينيات لتحديد النسل عبر فتح مراكز متعددة لهذا الغرض كانت تتبع الحالة الإنجابية، وتقوم بالتوعية عن قرب في الأحياء الشعبية، كما كانت تقوم بتوزيع حبوب منع الحمل مجاناً، وتتابع التخطيط الأسري مع النساء عبر دفاتر خاصة". وسجل الباحث أن بريق هذه المراكز خفتَ، وعوضتها ظواهر الهجرة من القرى إلى المدن، ما أسهم في التقلص التدريجي لأعداد المواليد، وأضاف أيضا ضغطا أكبر على الحواضر، متابعا أن المدن بارتفاع الوعي ونضج المجتمع وتوجه النساء إلى العمل، صار إنجاب أطفال وسط عائلات مفككة ومتباعدة غير سهل. واسترسل المتحدث أن "ارتفاع البطالة، واقتراب نسبة الذكور إلى مساواة نسبة الإناث رفع سن الزواج بسبب العزوف وارتفاع نسبة العنوسة"، مضيفا أن الزواج لم يعد بغرض الإنجاب أولا كما كان في الماضي، بقدر ما صار ارتباطا اجتماعيا الغرض منه الاستمتاع بالحياة والعيش ضمن منظومة أسرية تبغي ولدا واحدا أو اثنين على الأكثر تتم تربيتهما جيدا، ويدخلان أحسن المدارس وفق ما يستطيع الآباء تحمّله من مصاريف، عوض إنجاب أطفال كثيرين لا يوجد استعداد لرعايتهم جميعهم في آن واحد". من يحمي المجتمع المغربي من الشيخوخة؟ تراجع معدل الخصوبة أدى إلى تغير كبير في هرم أعمار المجتمع المغربي، إذ كشف الإحصاء العام للسكان في سنة 2014 ارتفاعا في نسبة المسنين البالغين أو المتجاوزين ل60 سنة من المجموع العام للسكان، ووصولها إلى 10 في المئة، بعدما لم تكن تتجاوز 8,1 في المئة عام 2004. وأوضحت هذه النتائج أن هذا الارتفاع في نسبة المسنين قابله تراجع واضح في نسبة الأطفال أقل من 15 سنة، بعدما وصلت إلى 28 في المئة عام مقابل 31,2 في المئة عام 2004، مقابل شبه استقرار في نسبة الساكنة ما بين 15 و59 سنة، بحوالي 62,4 في المئة. ارتفاع عدد المسنين يعود أساسًا حسب النتائج التي أحصت 33,8 مليون مغربي إلى تراجع معدل تزايد السكان الذي انخفض ب1,25 في المئة ما بين 2004 و2014 مقابل 2,58 في المئة ما بين 1960 و1971، وإلى وصول نسبة الخصوبة في الوسط الحضري إلى ما دون عتبة تجديد الأجيال، وتراجعها في الأرياف. وأمام هذا التراجع، أطلقت الحكومة مجموعة من البرامج من أجل تحسين الصحة الإنجابية ومعاجلة أسباب نقص الخصوبة، وهي البرامج التي تسهر عليها بشكل أساسي مديرية السكان بوزارة الصحة. مدير مديرية السكان بوزارة الصحة، عبد الحكيم يحيان يقول في تصريح لموقع القناة الثانية إن مديريته تسهر على برنامج لمكافحة وفيات الأمهات وتحسين الصحة الإنجابية، إضافة إلى برنامج خاص بالخصوبة وبرنامج للتخطيط العائلي. التخطيط العائلي، يقول يحيان، "هو برنامج يساعد النساء في طور الخصوبة إمكانية تنظيم الولادات، لأن النساء اللواتي يرغبن في إنجاب أكثر من طفل واحد لا يجب أن يجبن طفلا كل سنة لما له من خطورة على صحة الأم والجنين. " ونجح هذا البرنامج، وفق نفس المتحدث، في تقليص عدد وفيات الأمهات، إذ كشف آخر تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية واليونيسيف وصندوق الأممالمتحدة للسكان ومجموعة البنك الدولي وشعبة السكان بالأممالمتحدة،أن المغرب من بين 39 دولة في العالم استطاعت بذل جهود كبيرة من أجل تقليص نسبة وفيات الأمهات، حيث تراجعت نسبة وفيات الأمهات بالمغرب ب61.8 في المائة خلال 25 سنة الأخيرة. أما البرنامج الخاص بالخصوبة، يقول مدير مديرية السكان بوزارة الصحة: " فيهدف إلى مساعدة الأزواج الذين يعانون من ضعف طبيعي في الخصوبة، على الإنجاب عن طريق مراكز التلقيح الصناعي. وفي هذا الصدد، فقد أخرجت الحكومة في سنة 2016 قانونا جديدا يقنن عملية التلقيح الصناعي، وتم خلق مراكز خاصة وأخرى تابعة للدولة تساعد المواطنين على الإنجاب عن طريق المساعدة الطبية." وأشار يحيان إلى أنه حتى الآن "هناك مركزين عمومين، الأول في الرباط والثاني في مراكش خاصين بالتلقيح الصناعي، فيما تعمل الوزارة على فتح مركزين آخرين الأول في فاس والثاني في وجدة." وأوضح عبد الحكيم يحيان أن الوزارة تقوم بإنجاز مسح وطني كل خمس سنوات لمراقبة مؤشرات الحصوبة، كما تراقب باستمرار نتائج هذه البرامج، إذ كشف آخر مسح تراجعا في وفيات الأمهات بنسبة 35 في المائة بين 2011 و2018، كذلك تحسنت صحة الطفل وتراجع عدد وفيات الأطفال حديثي الولادة بنسبة 38 في المائة." وختم عبد الحكيم يحيان حديثه لموقع القناة الثانية قائلا إن "وزارة الصحة تقوم أيضا بتقييم كل هذه البرامج بمشاركة خبراء من منظمة الصحة العالمية وصندوق الأمممالمتحدة للمرأة بمشاركة مع الأطراف الحكومية المغربية، وحتى الآن فإننا نشعر بالارتياح بشأن نتائج هذه البرامج."