يعمل هشام حلوب كسائق عربة مجرورة بالخيول في "جامع الفنا"، الساحة الأيقونة بقلب مراكش، فبقرب "عرصة البيلك" بمدخل الفضاء ذي الصيت العالمي، تصطف العشرات من هذه العربات المعروفة محليا ب "الكوتشي". وسياقة هذه العربات ذات الزخارف النحاسية والنقوش التقليدية مهنة ورثها الشاب المراكشي عن والده، فعلى الرغم من قضاءه سنتين في مدرجات الجامعة، لم يكن أمام هشام من خيار في ظل قلة فرص الشغل سوى الاقتداء بالمقولة المغربية "حرفة بوك لا يغلبوك" والعمل بدوره على نقل زوار المدينة الحمراء في جولات سياحية بواسطة عربات مجرورة بخيول بربرية. وفي مكان ظليل، يتوسد هشام الكراسي الخلفية لإحدى العربات، ينتظر دوره في نقل السياح في جولة بأرجاء المدينة. تأتي مجموعة أولى من السياح المنحدرين من دولة إفريقية، يتفقدون المكان والخيول، يوزعون بعض الابتسامات، ثم يكتفون بالتقاط صور والانصراف. يأتي أوروبيون، يقفون بعض الشيء، يتأملون العربات ويستمتعون بمنظر الخيول الواقفة في صف طويل، يلتقطون بدورهم الصور، يتفقدون هواتفهم الذكية، يضبطون الإعدادات، يقومون بالتقاط صور أخرى، ثم يغادرون. "إنها الساعة الواحدة بعد الزوال ولم أظفر حتى الآن بأي زبون"، يقول هشام، متحسرا. مشهد معتاد يراه هشام وزملاؤه في الحرفة بشكل يومي. فأعداد السياح التي تقبل على "الكوتشي" قلت بشكل لافت في الآونة الأخيرة مع تواجد بدائل أكثر تطورا من قبيل حافلات النقل السياحي الفاخرة التي تقدم خدمة زيارة معالم المدينة بثمن أقل ولمدة أطول. فالكوتشي الذي كان في القدم مقتصرا على الميسورين وأصحاب الحظوة أضحى اليوم "أطلالا" لالتقاط الصور. "في الأيام الخوالي، كان "مول الكوتشي" يقوم بأربع خرجات في اليوم، أما حاليا فإنه يقوم بخرجة واحدة في أحسن الأحوال، هذا إن لم يكن حظه سيئا للغاية ويقضي نهاره حبيس محطة الوقوف بجامع الفنا"، يضيف حلوب، الذي يتكلم في مجال يعرفه جيدا، فإلى جانب كونه سائقا للكوتشي، فهو أيضا نائب رئيس جمعية أرباب وسائقي العربات المجرورة بالخيول بمراكش. وتتواجد بمراكش 148 عربة مجرورة "كوتشي" وما يزيد عن 600 من الخيول، حسب أرقام حلوب. وفي سابقة من نوعها، اضطرت هذه العربات للوقوف في صفوف طويلة ليس لدواعي تنظيمية بل لقلة الزبناء وتفضيلهم وسائل نقل أخرى. "لم يكن "الكوتشي" يضطر للوقوف أبدا في صف إذ كان الطلب على خدماته متوفرا بكثرة"، يقول حلوب. "حاليا، يضطر سائقو العربات للانتظام في صفوف ولساعات طويلة في انتظار زبون قد يأتي أو قد لا يأتي". ولا يحتاج الواحد منا وقتا طويلا ليكتشف ما قد ينفر الزائر من هذه الوسيلة المميزة للمدينة الحمراء، فالاقتراب من محطة وقوف العربات المجرورة بمدخل ساحة جامع الفنا كفيل بإيضاح السبب. فرائحة بول الخيول تملأ المكان ومشهد المحليين والسياح وأيديهم على أنوفهم أثناء المرور بقربها صار شيئا مألوفا. "نحس بالأسى عندما نشاهد السياح يتقززون من الرائحة" ، يقول هشام، قبل أن يضيف "هناك العديد من النواقص بمحطة الوقوف الجديدة التي لا تستجيب فيها القنوات التي تم إحداثها بها لمعايير تصريف بول الخيول". ويؤدي هذا العيب في التصميم إلى تجمع بول الخيول في برك تهدد صحة سائقي العربات والزوار. "لم نعد نستطيع شم الرائحة من كثرة تعرضنا لها، يقول هشام، كما أن هذه القنوات تشكل خطرا على الخيول واحتمال تعرضها لكسور بسبب تهاوي الواقي الحديدي الأرضي الذي تم استعماله كغطاء لتلك القنوات ما تسبب في إحداث فراغات تهدد سلامة الحيوانات". ولم يشفع للكوتشي أنه من رموز مراكش الثقافية والسياحية وساهم لسنوات في إنعاش الصناعة السياحية داخل هذه المدينة التي أصبحت وجهة عالمية يقبل عليها الزوار من كل حدب وصوب، إذ يعاني محترفو هذه المهنة من ارتفاع تكاليف العناية بالعربات والخيول التي تقوم بجرها، خاصة فيما يتعلق بمنظرها الخارجي وتوفير الأعلاف للحيوانات. ويطالب هؤلاء بدعمهم على الاستمرار في مزاولة هذه المهنة وإنقاذها من الانقراض. "لا نطالب بالكثير، فقط دعم رمزي للعناية بالخيول والعربات وضمان منافسة شريفة"، يؤكد حلوب، مشيرا إلى أن هذا الأمر قد يساعدهم على مواصلة العمل وتعريف السائح بمعالم مراكش التاريخية وأعماقها العتيقة التي تقف وسائل النقل الأكثر تطورا عاجزة عن تقديمها.