أظهر رأي لمجلس المنافسة أن ثلاث شركات فقط تستحوذ على 95 بالمئة من إنتاج ورقم معاملات سوق زيوت المائدة بالمغرب. وقال المجلس في الرأي الصادر أمس الأربعاء إن سوق زيوت المائدة بالمغرب هي سوق ذات مستوى تركيز عال وتعرف احتكار قلة من الفاعلين مكون من أربع شركات فقط، حيث يعرف هذا القطاع هيمنة من طرف شركة واحدة تمتلك أكبر حصة سوقية بنسبة تعادل ما بين 45 و50 بالمئة. احتكار ومحدودية المنافسة في الأسعار وأضاف المجلس أن تحليل وضعية المنافسة في سوق زيوت المائدة أفضى إلى تسجيل أن هذه الأخيرة يغلت عليها طابع الاحتكار وأن المنافسة على مستوى الأسعار داخلها تظل محدودة مع احتمال أن تكون قرارات تحديد الأسعار بين الشركات الفاعلة في القطاع متزامنة. وتابع أنه غالبا ما يمثثل جل المنافسين لتغييرات في أسعار زيوت المائدة المطبقة من طرف الشركة الرائدة، ما يجعل الأسعار غالبا ما تأخذ نفس المنحى، ما ينعكس سلبا على الرفاه الاجتماعي للمستهلك النهائي، وبالتالي نادرا ما يستفيد هذا الأخير من التخفيضات في أسعار الزيوت المطبقة من طرف منتجي الزيوت كون الموزعين التقليديين (الذين يمثلون 80 بالمئة) لا يطبقونها في مجمل الأحيان. وأشار إلى أن هذه الوضعية تزداد تفاقما مع وجود عوامل هيكلية أخرى تحد من ولوج فاعليين جدد في سوق إنتاج زيوت المائدة، من بينها نضج السوق واستقرار الطلب داخله حيث لم يتعدى معدل النمو السنوي هذه الأخيرة نسبة 1.5 بالمئة خلال الخمس سنوات الأخيرة، إلى جانب ارتباط السوق الوطنية بالواردات الخارجية فيما يخص المواد الأولية الزيتية، بالتالي أي ارتفاع غير مألوف في الأسعار له انعكاسات على منتوجات زيوت المائدة، خاصة وأن تكلفة المواد الأولية تشكل نسبة 70 بالمئة إلى 80 بالمئة من التكلفة النهائية للمنتوج، مما يضعف من هامش تحرك الفاعلين في السوق. سوق صعب الولوج وفيما يتعلق بتأثير شروط ولوج سوق زيوت المائدة على دينامية المنافسة، سجل المجلس غياب أية شروط تنظيمية خاصة فيما يتعلق باستيراد المواد الأولية الزيتية أو على مستوى الإنتاج وذلك من شأنه تسهيل ولوج منافسين محتملين جدد، مشيرا إلى أن نشاط إنتاج زيوت المائدة يتطلب استثمارات مهمة ويستلزم بالضرورة التوفر على إمكانات تمويلية من أجل اقتناء أداء الإنتاج وكذا من أجل تغطية تكاليف التسيير. وأضاف أن ربحية نشاط إنتاج زيوت المائدة مرتبط بحجم الإنتاج والمبيعات وبالتالي فإن تخفيض تكلفة توريد المواد الأولية والإنتاج يشكل تحدي كبير للمنافسين المحتملين الجدد، كما أن اعتماد الفاعلين الحاليين في سوق إنتاج زيوت المائدة على استراتيجيات فعالة على مستوى التسويق والتوزيع يشكل ميزة تنافسية لهؤلاء. وبحسب كل ما سبق ذكره وأخذا بعين الاعتبار نضج سوق إنتاج زيوت المائدة وضعف هامش ربح الشركات التي تنشط في هذه السوق، سجل المجلس أن هذه الأخيرة أقل جاذبية وصعبة الولوج، مما قد يفسر عدم تغير بنيتها منذ سنة 2004. الزيادات الأخيرة في الأسعار وبخصوص الزيادات المسجلة في أسعار زيوت المائدة، سجل الرأي أن المغرب يستورد كل احتياجاته من المواد الأولية الزيتية من الخارج في شكل زيوت نباتية خام مما يجعل السوق الوطنية عرضة لتقلبات أسعار هذه المواد على مستوى السوق الدولية. وارتفعت أسعار المواد الأولية الزيتية خلال السدس الثاني من 2020 وتزايدت حدة هذه الزيادات خلال شهري شتنبر وأكتوبر من نفس السنة. وعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار الزيوت النباتية الخام لحبوب الصوجا، وهي الزيوت الأكثر استهلالكا بالمغرب، بنسبة 80 بالمئة، حيث انتقلت من 600 دولار أمريكي خلال شهري يونيو 2020 إلى أكثر من 1100 دولار أمريكي للطن في شهر فبراير 2021، كما تضاعفت أسعار الزيوت الخام المستخرجة من حبوب نوار الشمس مرتين خلال نفس الفترة. انعكاس الأسعار في السوق الدولية وبحسب الفاعلين في سوق زيوت المائدة، ترجع هذه الارتفاعات لعدة أسباب، أبرزها أن أسعار الزيوت الخام المستخرجة من حبوب الصوجا عرفت في بداية أزمة كورونا تراجعا كبيرا بسبب غياب الرؤية لوضعية السوق من حيث العرض والطلب. غير أنه ومع بداية النصف الثاني من سنة 2020 ، قفزت أسعار المركب الزيتي (الحبوب والفيتور والزيوت الخام) نظرا لالنتعاش االقتصادي العالمي ولتزايد الطلب على الزيوت الخام خاصة من قبل الصين التي تعد أكبر سوق مستوردة لزيوت الصوجا في العالم لتلبية حاجياتها المحلية وكذا لتكوين مخزونها االستراتيجي، إثر تعافي اقتصادها نتيجة تحسن مؤشراتها الصحية المتعلقة بوباء كوفيد-19. من جهة أخرى، يعزى ارتفاع أسعار الزيوت الخام بالسوق الدولية للعوامل المناخية غير الملائمة التي أثرت على حجم المحصول العالمي لدى الدول الأكثر إنتاجا لهذه المواد: حبوب نوار الشمس بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي والدول المطلة على البحر الأسود مثل أوكرانيا وروسيا وحبوب الصوجا بالنسبة لدول أمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى إنتاج زيوت النخيل لدول جنوب شرق آسيا كأندونيسيا وماليزيا بسبب الأمطار الغزيرة. العامل الآخر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية الزيتية في السوق الدولية خلال النصف الثاني من سنة 2020، تجلى في كثرة المضاربات من طرف الصناديق الاستثمارية والتي همت السلع الغذائية بشكل عام والزيوت النباتية الخام المستخرجة من حبوب الصوجا بشكل خاص. هذه المضاربات، يضيف المجلس، كانت بهدف جني أرباح كبيرة بالنظر للتقلبات التي عرفتها أسعار هذه المواد في السوق الدولية خلال نفس الفترة. من جهة أخرى، صرح الفاعلون في سوق إنتاج زيوت المائدة خلال مرحلة التحقيق، أنه بفضل احتياطاتهم الاستراتيجية من المواد الأولية، تمكن هؤلاء من تأمين تموين السوق الوطنية من هذه المادة الحيوية ومن تأجيل تطبيق الزيادات الأخيرة التي عرفتها تكاليف اقتناء المواد الأولية على أسعار البيع المطبقة على المستهلك النهائي.