بعدما حصلت على الماجيستير في مجال التسويق والمبيعات من المدرسة الوطنية للتجارة وإدارة الأعمال بالدارالبيضاء، غادرت المغرب صوب تركيا شأنها شأن العديد من الشباب المغاربة الباحثين عن آفاق جديدة من أجل تحقيق ذواتهم. سنة 2018، وفي سن السادسة والعشرين، حطت الرحال بالعاصمة التركية أنقرة بحثا عن خوض تجربة جديدة في بلد غريب عنها بعدما قضت سنتين تشتغل مسؤولة تسويق ومنسقة مبيعات في شركة أجنبية بالمغرب. "لم تكن تركيا أبدا من أولوياتي، لكن القدر أرادني أن أتواجد فيها اليوم"، هكذا تلخص عبير قنطي في حديث لموقع القناة الثانية تجربتها في بلاد الأناضول. من أب مغربي وأم لبنانية سورية، نشأت عبير في مدينة الدارالبيضاء وسط عائلة مكونة من 6 أفراد، بينهما أختان تعيشان أيضا في تركيا، وتحديدا في اسطنبول. قضت أيامها الأولى في تركيا تحاول الاندماج مع عالمها الجديد. "واجهت صعوبة كبيرة في إدارة احتياجاتي الأساسية كالإجراءات الإدارية، والتسوق، والتحدث على الهاتف لدفع فاتورة الهاتف مثلا، لأنه لم يكن لدي أي دراية باللغة التركية آنذاك، وما زاد الأمر تعقيدا هو أنني اخترت الاستقرار بأنقرة التي تعد مدينة إدارية بحثة وغير مقصودة كثيرا من الأجانب، ونادرا ما يتكلم سكانها اللغة الانجليزية." قضت عبير الأشهر الخمسة الأولى لها في أنقرة بمفردها، حيث كان الشعور بالوحدة من الصعوبات التي واجهتها في بداية مشوارها في تركيا إلى جانب العراقيل المتعلقة بالصدمة الثقافية واختلاف عقلية الأتراك، لكنها سرعان ما تمكنت من إيجاد عمل في مجال تخصصها بإحدى الشركات التركية. "أدركت بسرعة أن هناك طلبا كبيرا على الجنسيات الأجنبية لأنهم يتحدثون أكثر من لغة على عكس الأتراك، وخاصة في مجالات السياحة والمبيعات الدولية والعقارات"، تضيف عبير. السرعة في إيجاد فرص العمل لم يقابلها سهولة في الاندماج بسبب اختلاف ثقافة العمل والأسلوب الإداري في تركيا مقارنة مع المغرب. تقول عبير إنها وبعد مغادرة أنقرة، انتقلت إلى اسطنبول للانضمام إلى شركة عائلية تعمل في مجال معدات المستشفيات. "كان علي التعامل نقص التدريب والتحفيز واختلاط القصص العائلية بأعمال الشركة، كما أن الراتب لم يكن بمستوى مهاراتي وتجربتي المهنية." وحول أبرز أوجه الاختلاف والتشابه بين تركيا والمغرب، تقول عبير إن تركيا توفر ظروف حياة أفضل مما هي عليه في المغرب، وبنية تحتية متطورة للغاية، ونظام إداري وحكومي أكثر تنظيما يسمح لأي شخص بالاستقرار بسهولة وبسرعة في البلاد، فيما لا يزال المغرب يواجه مشاكل على مستوى التنظيم الإداري ووسائل النقل وقلة الحدائق والمساحات الخضراء والترفيهية. بالمقابل، تضيف عبير، فإن المغاربة منفتحون أكثر ويتأقلمون بسرعة مع أي نوع من المواقف كيفما كانت الظروف، فهم ناس مجازفين ومقبلون على تحديات الحياة بينما الأتراك أكثر انسحابا، ويواجهون صعوبة في تقبل عنصر الاختلاف عند الغير. "المغرب وتركيا بلدان يجمعهما دين واحد، ويشتركان في بعض العادات والتقاليد ، ومنصتين تساعدان عإلى الاستثمار وإطلاق المشاريع المهنية، بلدين ذو طبيعة خلابة وظروف مناخية رائعة تمنحك الاستمتاع بجميع فصول السنة." وتفتخر الشابة المغربية بانعدام كلمة الاستسلام في قاموسها. "تم فصلي من قبل صاحب العمل السابق وكنت عاطلة عن العمل لمدة 6 أشهر. كان من الممكن أن أعود إلى المغرب عدة مرات لأنه الطريق السهل، لكنني فضلت أن أتفوق على نفسي وأمنحها فرصة ثالثة ورابعة للنجاح هنا. أدرك اليوم أنني شخص وشخصية أقوى." وحول تطلعاتها للمستقبل، تقول عبير إنها انخرطت اليوم في مجال عمل جديد ضمن شركة ذات سمعة جيدة في البلد وتطمح إلى البقاء لمدة سنة أوسنتين لكي تكتسب تجربة إضافية تساعدها في مسيرتها المهنية، لكنها تفكر في العودة إلى المغرب في أقرب وقت خاصة وأنها ما تزال تواجه العديد من الصعوبات التي زادتها تعقيدا الأزمة الاقتصادية الحالية في تركيا، وانهيار العملة المحلية، بالمقابل يتمتع المغرب حاليا باستقرار معيشي واجتماعي، كما أن فرص العمل متاحة والحياة أصبحت في الوقت الحالي أفضل خاصة على مستوى الرواتب والتقدير المهني.