يأتي الغرباء إلى مدينة طنجة بفعل سمعتها كمكان يصنع الدّهشة والأمزجة الرائعة، خصوصا بعد زيارة معالمها التّاريخية المتعددة، ومنها "فيلا هاريس" المُتواجدة بمنطقة مُطلّة على شاطئ "مالاباطا" الشهير. هذه الفيلا "الأسطورية"، التي كانت في ملكية البريطاني "والتر بيرتون هاريس" (1866-1933)، تحوّلت اليوم بعد سنوات عديدة من الإهمال، إلى متحف يُعزّز البعدين الثقافي والتاريخي لطنجة.
تثمين مكان استثنائي قبل أيام افتُتح "متحف فيلا هاريس" بشكل رسمي، ليساهم في تثمين مكان استثنائي كان مهجورا لسنوات للأسف، فأعيد إليه روحه وإشعاعه الثقافي والتاريخي، بعد تأهيل وتجديد البناية التراثية مع الحفاظ على طابعها الأصيل. وقبل ذلك، تمت تهيئة وصيانة وترميم المنتزه الطبيعي المحيط بالفيلا، وهو المنتزه الأخضر الذي تبلغ مساحته 9 هكتارات، إذ "أصبحت قبلة هامة لشرائح واسعة وفضاء ترفيهيا جميلا بقلب المدينة"، يقول عبد العزيز الجناتي، رئيس مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة.
واعتبر عبد العزيز الجناتي، في تصريحه لموقع القناة الثانية، أن "افتتاح فيلا هاريس بحلّتها الجديدة، حتما ستمنحها أهمية خاصة ومكانة مميّزة في العرض الثقافي والترفيهي بمدينة طنجة والشمال عموما". ويأمل رئيس مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية، أن "يُستثمر الفضاء بوعي وذكاء ليكون رافدا مهما لتنمية طنجة والمغرب"، مشيرا إلى أنه مهما كانت لديهم من ملاحظات على مسار إعادة بعث الحياة في فيلا هاريس والفضاء المحيط به، "إلا أنه لا يمكن سوى تثمين هذا المكتسب البيئي والثقافي والترفيهي الذي يصل الماضي بالحاضر". صحافي مفتون بطنجة بالعودة إلى ماضي طنجة العريق، التي افتُتن بها الصحافي البريطاني والتر هاريس، واستقرّ بها عامة 1886، نجد أن "هذا الفضاء الذي أهدي لهاريس عندما كان صديقا للمولى عبد العزيز بعد تنصيبه خلفا لوالده المولى الحسن الأول سنة 1894، يبقى فضاء لحكايات كثيرة قيلت وكُتبت عن هذا الصحافي البريطاني"، وفق يونس جنوحي، الصحافي المتخصص في التاريخ.
وأفاد يونس جنوحي، في حديثه لموقع القناة الثانية، أن صاحب فيلا هاريس، "كان مغامرا ويهوى التّحف وجمع القطع النادرة ويبحث عن مناجم الذهب، بالإضافة إلى عمله الصحافي مراسلا لصحيفة التايمز اللندنية، وتعلّق كثيرا بفضاءات طنجة، حتى أنه أوصى أن يُدفن فيها، على غرار عدد من المشاهير والمفكرين والمغامرين الذين عاشوا حياتهم في طنجة ما بين القرنين 19 والعشرين". لذلك، ففضاء فيلا هاريس، "يبقى تكريما لذاكرة طنجة السياسية والفنية. إذ أن تحويل الفيلا التي كانت شبه منسيّة ومهجورة، إلى متحف ومعرض فني بالمعايير الدولية، يبقى مكسبا للثقافة والفن بالمغرب".
إغناء للرّصيد المتحفي لأجل تثمين هذ المكسب التُّراثي والثقافي، تحوّلت فيلا هاريس إلى واحدة من أجمل المتاحف في المغرب وأكبرها في شمال البلاد. يرى عبد العزيز الإدريسي، مدير متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر، أن "إحداث متحف فيلا هاريس هو إضافة نوعية للمشهد الثّقافي المغرب، وإغناء للرّصيد المتحفي، وإضافة أيضا للخريطة المَتحفية في المغرب التي بدأت تتعزّز بإحداث مجموعة من المتاحف المُتخصّصة". وأضاف مدير متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر، في اتصال بموقع القناة الثانية، أن "متحف فيلا هاريس منفتح على الابداع التشكيلي الفني، إذ يضمّ أكثر من 200 عمل معروض بقراءة سينوغرافية حديثة".
وهي أعمال متنوعة لفنانين تشكيليين عالميين ومغاربة في ملكية خواص، تبرّعوا بها لفائدة العرض الافتتاحي لمتحف فيلا هاريس. في هذا الإطار، أكد عمر الصالحي، أحد المتبرعين بمجموعته الفنيّة، أن "عرض مجموعته الفنيّة كان حلما يراوده، خصوصا أنه بحكم مهنته أصبح مع مرور الوقت مدمنا على اقتناء لوحات تُؤرّخ لمدينة طنجة". وقال الصالحي، في تصريحه لموقع القناة الثانية، إنه "عندما تحدّثت مع أحد أصدقائي من جامعي التّحف في موضوع عرض الأعمال الفنية، عبّر عن استعداده للتّبرع بأحسن اللوحات للمشروع بشرط أن تُعرض بصفة دائمة في طنجة". وأضاف عمر الصالحي، أن "الحلم تحقّق اليوم في فيلا هاريس، بعد التّنسيق مع عبد العزيز الإدريسي مدير متحف محمد السادس للفن الحديث، وخليل بلكنش واهب المجموعة". وكشف المتحدث نفسه، أن مجموعة المتبرّع بلكنش المعروضة تضمّ "رسّامين أجانب زاروا المغرب نهاية القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين، وآخرين مغاربة من بنعلي الرباطي إلى اليوم"، مبرزا أن مجموعته الخاصة تؤرّخ لطنجة، وأعارها للمتحف لأجل استكمال المسار الذي يسلط الضوء على تاريخ الفن بالمغرب عبر مراحل كبيرة.