نظير ما قدمه من أعمال وما أغنى به الحياة الشعرية والثقافية الوطنية، على امتداد أكثر من خمسين سنة. احتفت أكاديمية المملكة المغربية، بمناسبة اليوم العالمي للشعر، بالشاعر محمد بنيس، مساء يومه الأربعاء بمقر الأكاديمية بالرباط. واعتبرت الأكاديمية، أنّ بنّيس شاعر مغربي وعربي، ذا حضور دولي وصاحب عطاء متواصل بإبداعية، وسلوك متجذر في القلق والسؤال، وموقف متشبث بمبدإ حرية الشاعر، وخصوصية فعله، واختياراته في بناء قصيدة حديثة، منفتحة على المغامرة والحوار. "احتفاء بالشعر" أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية عبد الجليل الحجمري، قال في كلمته بالمناسبة إنّ احتفاء المؤسّسة بالشاعر بنيس "خلال اليوم العالمي للشعر"، يأتي لمكانة الشاعر المغربي الذي جاب مدارات عالمية وعربية، وأخلص لمشروع شعري وإبداع متواصل، بالموازاة مع عمله الفكري والنظري المهم. وشدّد الحجمري على أهمية الشعر ومكانته بالقول إن: "أنّ الحاجة إلى الشعر، هي حاجة للمغامرة والاختلاف، والحديث عنه، حديث عن الحداثة، حيث لا يستقّر في مناطق العادة والمألوف، بل ينشغل بالكوني والإنساني، وما ارتباطه بالوطني المحلي إلاّ نشداناً للكونية". وأضاف أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة أنّ احتفال الأخيرة باليوم العالمي للشعر والمحتفى به، ما هو إلاّ احتفاء باللغة العربية وأدبها وفضائلها التي خدمت المبدعين في انشغالهم بمختلف الأنماط الإبداعية. "الشعر ضرورة إنسانية" من جانبه، عبّر الشاعر بنيس عن اعتزازه بمبادرة الأكاديمية التي تتزامن مع يوم الشعر، مشيراً أنّها مناسبة مضيئة، تلتقي فيها الأمم والثقافات والمبدعون للاحتفال بالشعر والفرح بالحياة، مبرزاً أنّ الشعر "مقاومة للتعصب والكراهية وتضامنٌ مع ضحايا المآسي بالعالم". وأوضح صاحب ديوان "ما قبل الكلام" أنّ الإنسانية موحدة اليوم في مأساة الجائحة، التي اعتقلتنا في بيوتنا، مضيفاً أنّها علامة لما ينذر البشرية من قتامة المصير، لذلك يظهر الشعر في أوقات الأزمات والشدة نصباً تقترب منه نفوس الفلاسفة والمفكّرين والفنانين، لاختراق ثخوم الأعماق وحدود اللاحدود". وتابع بنّيس في حفل الاحتفاء به، أن الشعر سؤال عن الحياة والموت، حيث يسعى الاستمرار في الحضور ويتحدى البقاء سيداً وطريقة متفرّدة في الإحساس بالعالم والإندهاش لرؤية جمالياته. غير أن بنّيس تحدّث عما يعتبره "تقلّص حضور الشعر في حياتنا، ما تسبّب في هجران اللغة وذاتها"، مؤكّداً أن كل لغة تحتاج إلى الشعر، الذي ليس مجرّد حلية لتزيين الكلام، بل يتسوعب اللغة التي تتموج فيه ويحافظ على حيتويتها. في سياق متصل، أكّد أن الشعر ضرورة إنسانية لبناء حوار إنساني عالمي، لافتاً إلى ما أسماه الحاجة إلى إدراك مخاطر تدمير اللغة مع هجرة الشعر، رغم إشارته إلى أنّ الدفاع عنه يزداد صعوبة سنة بعد أخرى. وناشد بنّيس في ختام كلمته، وزارات الثقافة والتعليم بالمنطقة العربية، لاستيعاب أهمية الشعر، وما يمثّله للغة والفرد والجماعة، حتى تعيد النظر في علاقتها معه ومع الشعراء.
"مقام الشعر" وإلى جانب الحفل التكريمي، أصدرت أكاديمية المملكة كتاباً فنياً عن محمد بنيس، يحمل عنوان "مقام الشعر". ويتضمن الإصدار الجديد عدداً موسعاً من الوثائق والدراسات والشهادات، لشعراء ونقاد وباحثين ومترجمين من عدة لغات. ويعرض الكتاب صورة شاملة وعميقة عن أعمال الشاعر، في الشعر ثم في الدراسة والنصوص والترجمة، إضافة إلى إبراز مكانه محمد بنيس في الشعرية العربية الحديثة وحضوره الفاعل عربياً ودولياً، عبر ما ترجم من أعماله الشعرية إلى عدة لغات، وما شارك به في إغناء الفكرة الشعرية. كما أصدرت الأكاديمية للشاعر مختارات شعرية مكثفة، بعنوان "نافذة شبه مفتوحة"، عبارة عن منتخبات من تجربة شعرية، تعود بدايتها إلى أواسط الستينيات من القرن الماضي وتستمر حتى اليوم، في بناء جمالية شعرية بصم عليها الشاعر محمد بنيس.