توفيت اليوم الأحد 21 مارس 2021 بأحد مستشفيات القاهرة، الكاتبة المصرية نوال السعداوي، عن عمر ناهز 90 عاما بعد صراع مع المرض. ونوال السعداوي من مواليد عام 1931، طبيبة وكاتبة وروائية مصرية، مدافعة عن حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص. "جريمتي الكبرى .. أنني امرأة حرّة في زمن لا يريدون فيه إلا الجواري والعبيد، ولدت بعقل يفكر في زمن يحاولون فيه إلغاء العقل." بهذه الكلمات وصفت نوال زينب السيد السعداوي القوة البارزة التي أسست لمكانتها الفكرية طيلة ستين سنة من العطاء، فهي تمتلك عقلا مذهلا تمرد على السائد في مجتمع تهيمن عليه التقاليد الباترياركية، وقدم إسهامات كبيرة في اتجاه تحرير المرأة اقتصاديا ومجتمعيا ونفسيا ودينيا، ليس فقط بالمنطقة العربية التي أصبحت فيها رمزا للحركة النسوية والدعوة للانتفاض في وجه الأفكار البالية، بل في العالم أجمع، ذلك أن كتاباتها ترجمت لعدة لغات ونوقشت أطروحاتها في الجامعات من شرق الأرض إلى غربها. منذ نعومة أظافرها وإلى غاية لفظ أنفاسها الأخيرة، أشركت السعداوي نفسها بحماس كوني في القضايا العظيمة التي يعرفها عالمنا، انطلاقا من حقوق المرأة، والحريات المدنية، وصولا إلى الديمقراطية ومحاربة استبداد الأنظمة. وقد عرضت الدكتورة السعداوي وجهات نظرها حول هذه المسائل البالغة التعقيد في أزيد من أربعين كتابا ومؤلف، وفيها طرحت العديد من الأسئلة وقدمت أجوبة اعتبرها البعض "شاذة" و تخرج عن الإجماع، خاصة كتاباتها التي تناولت الدين ووضع المرأة في المجتمعات الإسلامية. ووصل الأمر إلى حد تلقيها تهديدات بالقتل، ما دفعها قسرا نحو المنفى الأمريكي الذي استقرت فيه عقدين، وفيه استمرت في إحداث اهتزازات عنيفة في أساسات الأفكار الرافضة للتغيير والخروج عن التقاليد، وحازت على إثر ذلك على العديد من الجوائز الدولية. هذه المشاركة النشطة في القضايا جر عليها قدرا كبيرا من الإساءات والاستهجان وصل حد الحكم عليها بالسجن سنة 1981 كما أكسبها جمهورا من المتعاطفين الذين آمنوا بأفكارها وتصوراتها للعالم الذي نعيش فيه. ووجهت بعض أشد الانتقادات إلى السعداوي بسبب تناولها لبعض المسائل الدينية كالختان والحجاب وتعدد الزوجات والميراث، حيث جرى اتهامها بازدراء الأديان كما تمت محاولات للتفريق بينها وبين زوجها في قضية الحسبة الشهيرة. وبالقدر الذي كانت فيه السعداوي في مرمى النيران، زاد إصرارها على التأليف وتقديم المحاضرات في تجسيد للجينات الثورية التي قالت إنها ورثتها من جدتها رغم أنها كانت فلاحة تشتغل في الحقول و لم يسبق لها أن وطأت قدميها المدرسة. تقول السعداوي إنها ولدت لتصدح بكلمة "لا" وتميزت طفولتها بالشراسة في الدفاع عن حقوقها وعدم طأطأة الرأس في وجه الاستفزازات التي كانت تتعرض لها من أقرانها الذكور في الشارع والمدرسة. "كان بعض الأطفال يرمونني بالحجارة ويقصدون ضربي في صدري لأنني كنت أذهب إلى المدرسة لكنني لم أقف مكتوفة الأيدي وقمت بدوري بضربهم"، تقول الراحلة في لقاء على القناة الرابعة البريطانية سنة 2018. ولعل هذه الانفعالات كانت البوادر الأولى التي حددت ملامح شخصية السعداوي التي تخلت عن حلم احتراف الرقص والعزف على البيانو لتصبح مفكرة ثائرة ألهمت أجيال عديدة بأفكارها ومواقفها. شعرها الأبيض الأيقوني منحها مظهر الحكيمة، وفي السنوات التي كانت تكتب فيها أعمالها الأكاديمية، واصلت السعداوي اهتمامها بكتابة الخيال فأنتجت العديد من الأعمال الروائية، ومن أشهرها "امرأة عند نقطة الصفر" التي تناقش قهر الرجل للمرأة جسديا ونفسيا من خلال شخصية فردوس التي تثور على كل ما يربط المرأة بالرجل. وحرصت نوال في كتاباتها على الربط بين تحرير المرأة بشكل خاص والإنسان بشكل عام، وتحرير المجتمع في النواحي المجتمعية والثقافية.