يتخوف متتبعون من توسع حكومة سعد الدين العثماني في سياسة الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية لمواجهة التداعيات السلبية لتفشي فيروس كورونا بعد الترخيص لها بتجاوز سقف الدين الخارجي المحدد في قانون مالية 2020 في نحو 3 مليارات دولار، أو 31 مليار درهم. فقد عمدت الحكومة منذ المصادقة على مشروع مرسوم بقانون رقم 2.20.230 المتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية إلى استخدام خط الوقاية والسيولة لصندوق النقد الدولي من أجل سحب نحول 3 ملايير دولار، كما اقترضت 823 مليون دولار من البنك الدولي لمواجهة أثار الأزمة الصحية. وفي الوقت الذي يرى فريق أن هذه القروض ستكون لها فوائد عديدة على متانة الركائز المالية للدولة، يخشى فريق آخر أن تساهم سياسة الاستدانة التي تنهجها الحكومة لمواجهة الأزمة في مفاقمة حجم الدين العمومي و إنتاج أعباء إضافية على كاهل المواطنين المغاربة. وحول هذا الموضوع، طرحنا ثلاثة أسئلة على رشيد أوراز، الباحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات. أولا، كيف تقرأ توسع الحكومة في الاستدانة من مؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي؟ بالنسبة لصندوق النقد الدولي فالحكومة لجأت إليه في إطار بحث عن توفير خط سيولة يعوض النقص المسجل على مستوى مخزونات الدولة من العملة الصعبة. وكما نعلم فالعملة الصعبة وسيلة ضرورية للدولة للقيام بمشتريات على المستوى الدولي. أما بالنسبة للبنك الدولي فالقروض التي تحصل عليها الدولة تكون عادة موجهة لتمويل مشاريع البنية التحتية أو قطاعات أساسية كالتعليم أو الصحة أو إصلاحات على مستوى الإدارة أو التحول الرقمي. وهناك شراكة تربط الدولة بهذه المؤسسة المالية الدولية التي تقدم قروضا موجهة لتمويل إستثمارات عمومية ذات عائد إجتماعي إن تم صرفها وفق شروط الحكامة الجيدة. وفي الحالة الراهنة، حيث ستتراجع موارد الدولة الرئيسية من الضرائب فستبقى الاستدانة أحد الحلول التي ستلجئ إليها الدول التي لا تتوفر على صناديق سيادية قوية تمول عجر الموازنة الذي أحدثته هذه الجائحة العالمية بسبب تعطيل الانتاج الاقتصادي. هل ستكون هناك تداعيات لهذا الاقتراض على المواطنين في مشروع قانون المالية المقبل؟ هذه المديونية ستؤدى بشكل سنوي لمدد طويلة، تصل أحيانا إلى 25 سنة. وبالتالي فالأجيال القادمة أيضا ستتحمل جزءا منها. إنها في العادة قروض طويلة الأجل، ويتوقع أن يكون لها عائد إستثماري يغطي تكلفتها. وستؤثر في كل قوانين المالية القادمة. فخدمة الدين الخارجي جزء من قوانين مالية المغرب منذ عقود طويلة. وإذا عادت الاقتصادات إلى الاستقرار ودارت عجلة الاقتصاد مرة أخرى وارتفع النمو فعائدات الدولة ستغطي ذلك، أما إذا انهارت الاقتصادات العالمية وتسبب هذا الوباء العالمي في أزمة اقتصادية وركود عميق فإن سد العجز الموازناتي قد يكون بطرق أخرى، ومنها تقشف شديد قد يؤثر على مصاريف الدولة حتى تلك المرتبطة بأجور القطاع العام، وهذا أسوأ السيناريوهات التي يمكن توقعها على الإطلاق. وقد يحدث ما يطلق عليه الاقتصاديون الركود التضخمي وهي الحالة التي يرافق فيها الركود الاقتصادي تضخم على مستوى الأسعار وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين، وهي توقعات قد تحدث، ولهذا تسارع أغلب الدول لفتح اقتصاداتها رغم أن الفيروس ما يزال ينتشر، بل ينتشر بسرعة أكبر كما قالت منظمة الصحة العالمية قبل يومين. بالتزامن مع الاستدانة، هل تتوقع أن تتوجه الحكومة نحو خفض النفقات نظرا إلى انخفاض الإيرادات؟ هذا ما أتوقعه، إننا في نهاية شهر يونيو، مما يعني أن تعطل النشاط الاقتصادي قد التهم نصف سنة تقريبا من الموارد المالية للدولة. ولا بديل الآن إلا أن تبحث الدولة عن بدائل لسد عجز الميزانية الحالية والمقبلة وفي الآن نفسه اتباع سياسة تقشفية من خلال إلغاء النفقات غير الضرورية للحفاظ على توازن الميزانية العامة، وكذا انتهاج سياسة حكامة رشيدة ومحاربة هدر موارد الدولة بسبب الفساد أو سوء التدبير. لا أنصح بالاستدانة المفرطة لأنها ستؤثر على موازنات السنوات القادمة، وقد لا ننجح مستقبلا في خلق نمو اقتصادي يوفر موارد لسداد الديون وخدمة الديون، وبالتالي أظن أن سياسة تقشفية وحكامة رشيدة أفضل لتدبير هذه المرحلة الاقتصادية الحرجة.