فضّل الله تعالى بعض الأيام والليالي والشهور على بعض، حسبما اقتضته حكمته البالغة؛ ليجِدّ العباد في وجوه البرّ، ويكثروا فيها من الأعمال الصالحة، إلاّ مَن خالف سُنّة الله عزّ وجلّ، ليحُولوا بينهم وبين الخير. يقول الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القيّم فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ المشركين كآفّة كَمَا يقاتلونكم كآفّة واعلموا أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}. فشهر ''رجب'' أحد الأشهر الأربعة الحُرُم وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَحِلُّوا شعائر اللهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَام} أي لا تَحِلُّوا محرمات الله الّتي أمركم بتعظيمها ونهاكم عن ارتكابها، وقال تعالى: {فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} أي في هذه الأشهر المحرّمة.. فينبغي مراعاة حُرمة هذه الأشهر لِمَا خصَّها الله سبحانه وتعالى به من المنزلة، والحذر من الوقوع في المعاصي والآثام تقديرًا لِمَا لها من حُرْمة، ولأنّ المعاصي تعظم بسبب شرف الزمان الّذي حرّمه الله. وجاء التّحذير الشّديد في الآية السابقة من ظلم النّفس فيها، مع أن ظلم النفس، أي ارتكاب المعاصي يحرم في جميع الشهور. وقد وردت أحاديث عن فضل شهر رجب إلاّ أنّها لم تصح، إلاّ أنّه من الأشهر الحرم الّتي ذكرها الله في كتابه {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُم} التوبة:.36 ولم يرد حديث صحيح يخص شهر رجب بالفضل إلاّ حديث حسن، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يصوم أكثر ما يصوم في شعبان، فلمّا سُئِل عن ذلك قال: ''إنّه شهرٌ يغفل النّاس عنه بين رجب ورمضان''.. فمن هذا الحديث نفهم أنّ رجب له فضل، أمّا حديث: ''رجب شهر الله، وشعبان شهري ورمضان شهر أمّتِي'' فهو حديث منكر وضعيف جدًا، بل قال كثير من العلماء إنّه موضوع يعني أنه مكذوب. وحتّى الأحاديث الأخرى الّتي رُويت في فضل شهر رجب، بأنّ مَن صلّى كذا فله كذا، ومَن استغفر كذا مرّة فلهُ من الأجر كذا، هذه كلّها مبالغات، وكلّها مكذوبة، أو تخصيصه بالصيام والاعتكاف وكذلك العمرة، وتخصيصه أيضًا بإخراج زكاة الحول، كما أنّه لم تحدث فيه أيَّ حادثة عظيمة (كمن يقول بمولد النّبيّ محمّد في أول ليلة منه، وأنّه بعث في السابع والعشرين منه، وقيل في الخامس والعشرين)، فلا يصح شيء من هذا، هذه كلّها مبالغات، وكلّها أكاذيب نُسبَت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والعياذ بالله. قال ابن حجر: ''لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معيّن، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه.. حديث صحيح يصلح للحجة''. لهذا، على المسلم الاقتداء بالرّسول الكريم واتّباع سُنَّته صلّى الله عليه وسلّم، فقد كان صلوات الله عليه يصوم كلّ اثنين وخميس وثلاثة أيام (الأيام البيض) في منتصف الشهر القمري، وبطبيعة الحال الصّلاة في ميعادها والإكثار من ذِكر الله تعالى.