مستشار الملك ليست وظيفة مستشار الملك كما يتوهم البعض وظيفة شكلية ولكنها وظيفة خطيرة، وتعيد إلى الأذهان تلك القصة الغريبة التي جمعت بين الملك الراحل الحسن الثاني وصديقه أحمد رضا كديرة الذي شغل منصب مستشار للملك لسنوات طويلة، ومعروف عن الحسن الثاني أنه كان صارما في أحكامه ولا يتراجع عنها، وكان يفرق بين الصداقة وبين الوظيفة، فأحمد رضا كديرة كان صديقا للملك لكنه كان أيضا موظفا بالديوان الملكي برتبة مستشار للملك، وكانت العلاقة بين الطرفين واضحة جدا، تنتهي صداقة الملك بكديرة عندما يبدأ كديرة في ممارسة مهامه كمستشار. لذلك عندما أخطأ كديرة وهو يمارس مهامه عاقبه الحسن الثاني، عندما أخطأ التقدير وقدم استشارة مغلوطة للملك الراحل حول لقاءاته بزعماء الكتلة الديمقراطية وموقفها من الراحل إدريس البصري وزير الدولة في الداخلية القوي، قرر الملك الراحل إبعاده. ولم يغفر الحسن الثاني لمستشاره خطأه الفادح لأنه حشر الديوان الملكي في بيان موقع بإسمه وقدم أخبار واستشارة مغلوطة للملك. أبعده الملك من القصر ومن وظيفة مستشار الملك ورغم تدخلات العديد من المسؤولين الذين كان يثق فيهم الحسن الثاني فإن الملك أصر على قراره ويتذكر المقربون من الملك الراحل أن فقيها وعالما تدخل لدى الراحل الحسن الثاني ليعفو عن كديرة فرفض مرة أخرى قائلا إن كديرة أخطأ في وظيفته التي يتقاضى عنها أجرا من الدولة التي يشتغل معها. دلالة هذه الحكاية عميقة، وهي أن وظيفة المستشار ليست شكلية ولكنها وظيفة خطيرة وتتطلب منه أن يكون يقظا وخذرا وأن يكون فاهما وواعيا بمجريات المرحلة وألا يكون مع تيار دون الآخر وبالتالي يكون مستوعبا لشروط المرحلة وإكراهاتها. وفي الترات كانوا يسمون فئة المستشارين بالبطانة، ويميزون بين من يشيرون بالحق خدمة للصالح العام ويسمونهم بطانة الخير، ومن يشيرون بالشر خدمة لمصالحهم الشخصية يسمونهم بطانة السوء المعروفة تاريخيا بأنها تشير على الحاكم بالأفعال السيئة وبالقتل والتدمير حتى يخلو لها الجو لتعمل ما تشاء. لكن وظيفة المستشار في العصر الحاضر عرفت تغييرات جوهرية، إذ لم يعد يستشار للاستئناس ولكنه اصبح فاعلا جذريا في عملية صنع القرار داخل دواليب الحكم، ويقوم بالاقتراح والتوجيه والصياغة ويلعب دور الوسيط بين دوائر الحكم والمؤسسات الحزبية والسياسية والمدنية. وتكون وظيفة مستشار الملك أشد خطورة إذا ارتبطت بظرف مثل الذي دخل فيه عبد اللطيف المنوني مربع مستشاري الملك، فالرجل جاء للوظيفة في وقت يشتد الجدل حول التأويل الدستوري الذي يعتبر فيه فقيها بامتياز، وفي وقت يحتاج الدستور إلى التنزيل على أرض الواقع دون وقوع خلل بين النص والممارسة. لكن الدولة تعول على ما راكمه من تجارب فاقت الأربعين سنة من أجل صهرها جميعا في بوتقة واحدة في خدمة التأويل الديمقراطي للدستور كما دعا إليه الملك.