من الأمور التي مرت "حسّي مسّي" من دون أن تثير نقاشا عاديا فبالأحرى أن يكون ساخنا، مسألة تقاعد "نواب الأمة". هذا التقاعد الذي أريد له أن يكون من طينة خاصة وطبيعة استثنائية لا يقربه إلاّ هم. تتجسّد المسألة باختصار في أن "ممثّلينا" يريدون أن يغادروا الحرم البرلماني وقد ضمنوا لهم معاشا مريحا. المثير أن هذه المسألة حصل عليها إجماع البرلمانيين على مستوى مجلس المستشارين، من مختلف الأحزاب السياسية، أغلبية ومعارضة. وفي هذا الصدد، درست لجنة المالية وتدارست مقترح قانون قدّمه عدد من المستشارين من مختلف الطيف الحزبي، يرمي إلى تعديل وتكميل البند الخاص المتعلق بنظام المعاشات لفائدة البرلمانيين والمستشارين. لا يقف الأمر عند استفادة السادة البرلمانيين من معاش، يضاف إلى معاشاتهم الأخرى، بل يطالبون باستفادة ذوي الحقوق، أي الزوجات والأبناء، من هذا المعاش بعد الوفاة. ولا حرج على السيد البرلماني أن يضمن لنفسه ولذوي الحقوق معه معاشا سمينا، وكأنّ الرجل يعاني من ضيق ذات اليد، ومن السكن غير اللاّئق، ومن قلّة الشغل، وأنه من ذوي الأجور المحدودة و... و. ولذلك، فهو في حاجة ماسة إلى هذا المعاش. ولضمانه، يتطلّع البرلمانيون لملاءمة نظام معاشات النواب مع باقي أنظمة المعاشات المدنية، وذلك بهدف ترسيم هذا النوع من المعاش وتكريسه ليصبح أمرا مقضيا. ولأنّ البرلمانيين يفكّرون على المدى البعيد، فهم لا يرون فائدة في قطع هذا المعاش بعد وفاة البرلماني، بل الأجدى، في نظرهم، أن تظل صلاحية معاش التقاعد سارية إلى ما بعد الوفاة ليستفيد منه تركته من ذوي الحقوق: الأرامل والأبناء، وذلك جريا على سنن أنظمة المعاشات المدنية. اللاّفت هنا هو حصول إجماع ممثّلي الأمة، أغلبية ومعارضة، على كلمة واحدة وموقف واحد يتمثّل في الدفاع المستميت من أجل إخراج النص القانوني لهذا المعاش الذي يساهم إلى جانب معاشات أخرى للبرلماني في ضمان تقاعد مذهّب وليس فقط ذهبيا. إجماع غريب ومثير للدهشة خاصة أنّ صدى احتجاجات نفس البرلمانيين، من المعارضة على الخصوص، وصلت إلى الشارع بخصوص معارضتهم الشرسة لإصلاح أنظمة التقاعد للموظفين والمأجورين؛ معارضة وصلت إلى حدّ رفض هذا الإصلاح جملة وتفصيلا؛ وكل حزب يستميت في دفوعاته ومواقفه ويعضّ عليها بالنواجذ. إجماع مباح ومشروع حين يتعلق الأمر بمصلحة البرلمانيين ومعاشاتهم، أحياء وأموات؛ لكنه إجماع محظور حين يتعلق الأمر بمصالح ومعاشات باقي المواطنين. يحصل هذا الإجماع في الوقت الذي خصّص فيه قانون المالية لسنة 2015 مبلغا ضخما يتجاوز 432 مليون درهم لتغطية مصاريف 395 برلمانيا في مجلس النواب، منها 200 مليون درهم لتعويضاتهم الشهرية ومعاشات تقاعدهم. أما بالنسبة لزملائهم في مجلس المستشارين، فقد تمّ تخصيص ميزانية لهم بمبلغ 400 مليون درهم، منها أكثر من 118 مليون درهم للتعويضات الشهرية، و3,9 ملايين درهم لتغطية مساهمة الدولة في معاشات السادة البرلمانيين. هكذا يكون التعاضد والتضامن والنضال الذي يُتوّجه إجماع خارج التغطية لمختلف مكونات الطيف الحزبي، معارضة وأغلبية، من أجل ضمان معاش مريح وتقاعد مذهّب.