قدم جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، المعروف بجو شهادة في حق المغرب، أثناء كلمته في الدورة الخامسة للمؤتمر العالمي لريادة الأعمال، لا شك أنها ستزعج حساد المغرب، لأن بايدن ليي أي رجل أمريكي بل ليس أي مسؤول أمريكي. لقد انزعج الجيران من كلمة بايدن، التي قدم فيها رؤية أمريكية للمغرب، وهي رؤية مبنية على قدرات المغرب على التطوير الذاتي، وعلى الانسجام مع المتغيرات العالمية السياسية والاقتصادية والصناعية، وهي رؤية لم تنفع فيها أموال النفط والغاز التي تم صرفها على بعض اللوبيات بأمريكا من قبل العسكر الجزائري. ليس بايدن أي رجل أمريكي ولا أي مسؤول أمريكي، وبالتالي فإن شهادته ليست أية شهادة، فهو من أكثر المسؤولين الأمريكيين تأثيرا في صناعة القرار، ومن أكثر المسؤولين الأمريكيين قدرة على التحكم في مسالك إنتاج النهب الأمريكية، ومن أكثر المسؤولين الأمريكيين دراية بأحوال العالم وخصوصا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن أكثر المسؤولين الأمريكيين معرفة بالأوضاع الأمنية في العالم. إن ارتباط جو بايدن بالملفات الأمنية الأمريكية جعلت منه شخصية مالكة للمعلومات بشكل وافر، وهي التي تمنحه القدرة على استشراف مستقبل المناطق قبل غيره، وتجعل منه شخصية متطلعة للتغيرات التي تحدث هنا وهناك. ولهذا تبقى شهادته في حق المغرب لا تنتمي لصنف المجاملات الديبلوماسية، لأنها تحمل عدة رسائل موجهة لأطراف كثيرة، ولأنها تحدد طبيعة الرؤية الأمريكية لممكنات الدور المغربي في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل. لقد حظي المغرب باحتضان هذه القمة لأنه حقق ما به يستحق الريادة في العديد من مجالات الأعمال، التي يمكن نقلها إلى إفريقيا، وهي التي تجسدت أجزاء منها في الزيارة التي قام بها جلالة الملك لأربع دول إفريقية. بايدن الرجل الأمريكي الملتزم بخيارات أمريكا ومصالحها لم ينس أن يذكر بأن جذور العلاقة الرابطة بين المملكة المغربية والولاياتالمتحدةالأمريكية تضرب في أعماق التاريخ، إذ إن المملكة المغربية تعد أول بلد يعترف باستقلال الولاياتالمتحدة سنة 1777. ويحظى المغرب بثقة الشريك الأمريكي، ولهذا تعتبر واشنطن أن دور المغرب في إفريقيا لم يعد من الأدوار التقليدية ولكن أصبح أساسيا سواء من حيث مساهمته في محاربة الإرهاب الذي يعتبر ضمانة للاستقرار، الذي لا وجود لتنمية بدونه ولا يمكن انتظار نمو اقتصادي واجتماعي في ظل القلاقل والتهديدات المتطرفة، أو سواء من حيث قدرته على المساهمة في تنمية بعض الدول الإفريقية. فالعالم اليوم وأمريكا بالخصوص يدرك فرادة وتميز التجربة المغربية، ويعي جيدا أهمية الدور الحيوي الذي يقوم به المغرب في تأمين المنطقة والتصدي للخطر الإرهابي وللجريمة العابرة للحدود ومواجهة كل التهديدات الأمنية التي تصدر من دول الساحل جنوب الصحراء، إذ لا يتم هذا الدور فقط من خلال المقاربة الأمنية الاستباقية وجدية المغرب في التنسيق والتعاون الأمني الإقليمي، وإنما يتم أيضا من خلال تمدده في عمقه الإفريقي، وتحريكه للروابط التاريخية والدينية والاقتصادية والتجارية لتأمين المنطقة والدفع بعجلة التنمية فيها. ضمن هذه الاعتبارات وضمن هذا السياق فقط يمكن فهم شهادة جو بايدن، الرجل الأمريكي الاستثنائي، في حق المغرب.