سبحان مبدل الأحوال ونقل الناس من حال إلى حال. العدالة والتنمية في المعارضة كان محرضا والعدالة والتنمية في الحكومة يريد أن يكون حزب الدكتاتورية. فالإضراب حق دستوري. ولا جدال حول مشروعيته. والدستور وثيقة سامية فوق عبث العابثين ولعب اللاعبين ولهو اللاهين. ولم يورد أي كلمة إلا وهي محسوبة فقها وقانونا. ورتب الفصول وفق أهمية بناء الدولة والأجهزة والمؤسسات. والنقابات من المؤسسات الدستورية ومن أدوات الدفاع الشعبي خصوصا أمام "غول" الحكومة. لكن لوزير الاتصال مصطفى الخلفي وجهة نظر أخرى. وجهة نظر غير دستورية. قال تلميذ بنكيران "إن الإضراب الوطني الذي تعتزم مركزيات نقابية خوضه يوم 29 أكتوبر الجاري "غير مبرر"، وأن "الحكومة لن تسمح بأي إرباك لسير المرافق العمومية وستقوم بواجبها في ضمان استمرار الخدمات الاجتماعية"، وأضاف "دوافع هذا الإضراب غير مفهومة لأن الحكومة منخرطة في تنفيذ التزاماتها في إطار الحوار الاجتماعي كما أن إصلاح أنظمة التقاعد لم يحسم فيه بعد"، مهددا بعادة الحكومة الجديدة بالاقتطاع من أجور المضربين. كون الحكومة ستُقدم على الاقتطاع من أجور المضربين فهذا شأن يهم النقاش الدائر حول القانون التنظيمي للإضراب، ويمكن رفضه أو قبوله، لكن من غير المعقول استعمال هذا السلاح في محاولة لإفشال الإضراب، حتى تظهر الحكومة بأنها ذات شعبية، حيث يمكن التأثير على الإضراب من خلال التخويف بالاقتطاع، خصوصا وأن الأجور زهيدة والمعيشة مرتفعة. أما كون الإضراب غير مبرر فهذا كلام يضرب في العمق العملية الديمقراطية. من جهتين. الأولى أن الإضراب حق مشروع ويستمد شرعيته من المطالب الاجتماعية وقانونيته من الدستور، الذي صادق عليه المغاربة يوم فاتح يوليوز سنة 2011، والذي تم إنجازه لأول مرة بطريقة تشاركية. ومن جهة ثانية فهذا الكلام مردود عليه، لأن النقابات التي دعت للإضراب، في شبه إجماع، لديها مبرراتها، فهي تحمل العديد من المطالب ومنها البسيطة التي ما زالت عالقة، ولدى النقابات ألف مبرر، ولا حجة بما قاله إن الحكومة تنفذ مقتضيات الحوار الاجتماعي، فحكومة بنكيران متهمة بوقف الحوار بين أطرف الحوار الاجتماعي، الحكومة والنقابات والباطرونة، من جانب واحد. هذه هي الحكومة التي تمثل الشعب، والتي صوت عليها فقراء البلاد ظنا منهم أنها ستحمل لهم الخير. هذه هي الحكومة التي صدقها المغاربة، حيث اعتبروا الحزب الإسلامي بديلا عن فشل الأحزاب الأخرى. لكن الناخبين أصبحوا يحنون إلى زمن قبل حكومات التناوب، بل إن الحزب الحاكم شوه صورة العمل السياسي. يوم كان حزب العدالة والتنمية، كنا نرى قادته يخرجون للشارع ويعانقون العاطلين ويبكون ويتباكون ويأخذون الصور التذكارية، وكان الرميد، وزير العدل والحريات حاليا، يسيل الدموع الغزيرة واليوم يحاكمهم. ويوم كان الحزب في المعارضة كان يحرض على الإضراب وأكثر من الإضراب، لكن اليوم ومن أجل الحفاظ على كرسي الحكومة يضرب الدستور عرض الحائط.