لم يمض وقت طويل على صيحات الوزير لحسن الداودي، في رحاب البرلمان، وهو يصول ويجول أمام البرلمانيين، ويضرب بقبضة يده على المنبر، بأنه جاء الوقت لتعميم المنح على الطلبة الجامعيين، وبأن الشّحّ الحكومي لم يعد له مبرّر، خاصة بعد الزيادات المثيرة في أسعار المحروقات التي أحرقت الجيوب والقلوب، بل أكد أن هذه الزيادات سيستفيد منها الطلبة من خلال تعميم المنح عليهم. اليوم يتأكد أن شهريار سكت عن الكلام المباح مع بروز أول خيوط الصباح. وابتلع لسانه الذي أطلقه وهو يرغد ويزبد أمام الرأي العام، في البرلمان، في محاولة بئيسة لامتصاص غضب البرلمانيين والناس أجمعين من صدمة الحكومة القوية لهم حين أعلنت زيادتها في أسعار المحروقات بدون سابق إنذار. ولمداواة الجرح بالكيّ، سارع الوزير إلى انتهاز الفرصة، ليزفّ من البرلمان، "بشرى" انفراج الأزمة، ويقول للطلبة وأسرهم إن الفرج على الأبواب، ولن تمضي العطلة الصيفية حتى يكون تعميم المنح ساري المفعول. وذهب الجميع إلى أهله يتمطّى. يتعلق الأمر بأكبر نكتة يعرفها الدخول السياسي، وما جاوره من الدخول الجامعي والمدرسي والثقافي والرياضي؛ لم يسبق أن ظهرت نكتة مثلها أو أكبر منها، لا قبل ما يسمّى سنوات الرصاص ولا بعدها ولا خلالها، إلى أن ظهر من يمارس "لحسانة على رؤوس اليتامى بدون ماء". في نفس الآن، لم يكلّف الفريق الحكومي الذي رحّله رئيسه إلى الخلوة الشهيرة بمنتجع إيفران، خوفا من أن تصيبه عين الحسود نفسه عناء الاستفسار عن قضية تعميم المنح المفترى عليها. واطمأنّ الجميع بأن كل شيء يسير على ما يرام، وبخير وعلى خير؛ ثم إن الفريق الحكومي منشغل بالهشّ على قطط أخرى أين منها مسألة تعميم المنح الجامعية في حجمها وثقلها وخطورتها. كان الله في عون الحكومة الموقّرة التي تفكر بالنيابة عنا، وتقرّر بالنيابة عنّا، وترى بالنيابة عنّا، لأنها تفكر وترى ما لا نفكر فيه ولا نراه نحن المساكين. وما علينا سوى التطلّع إليها وانتظار خرجاتها التي تنزل حرّا وقرّا على العباد. هي نفس الحكومة التي يستيقظ الناس وينامون على خبر زياداتها المتوالية في الأسعار، المعلنة منها وغير المعلنة. هي نفس الحكومة التي قضت بحرمان أبناء وبنات المتقاعدين، واستبعاد أبناء وبنات الأمهات غير العاملات، وأبناء وبنات من لا يملكون، في أحسن الأحوال، سوى منزل يقيهم نوائب الدهر وتقلّبات الزمن ومفاجآت الحكومة. هي نفس الحكومة التي تقف تحت عتبة ثلاثة آلاف درهم، وتعتبر ألفي درهم وما دونها، أجرة شهرية لرب الأسرة يتحمّل وحده مصير عائلة بكاملها، علامة صارخة للغنى والثراء، وتضع هذه الأجرة سدّا منيعا أمام تسرّب أيّ سنتيم من صندوق الدولة إلى جيوب الطلبة، وبالتالي لا يعقل تماما تمتيع أبناء هؤلاء "الأثرياء" بالمنحة الموعودة، وما عليهم سوى تدبّر أمرهم. وفي لمح البصر تحوّل التعميم إلى تعتيم. والبشرى الموعودة إلى زلزال. حين طلع علينا، قبل هذا، خبر استفادة ابنة وزير من السكن الجامعي لأن والدها الوزير محدود الدخل وإلحاق هذا وذاك، وهذه وتلك، من حزب "العدالة"، بالدواوين والمناصب ذات الكراسي الوثيرة والأظرفة المثيرة، لم يصدّق أحد أن يكون هذا من عمل "الإخوان"، واعتبروه من عمل الشيطان، فدعا واحد من المكذّبين إلى لعن إبليس، والابتعاد من شرّ الوسواس الخنّاس الذي يوسوس بين الناس. وشرع في تسريب أنّ ما يتم اتخاذه من قرارات وزيادات لا علاقة له بحكومة "الإخوان والأخوات" الظاهرة المعروفة، بل ب"حكومة عميقة" وراء الستار. لكن ظهر للناس أن حبل الكذب أقصر ممّا كانوا يتصورون. هنا، برز الوزير واعتلى المنبر وتوّج كلامه ببشرى تعميم المنحة. المنحة المفترى عليها. المنحة التي صرف الطلبة من جيوب آبائهم المحدودة الكثير من الدراهم من أجل إعداد ملفها وما يتطلبه من وثائق وطوابع ونسخ ووقوف طويل في صفّ أطول أمام أكثر من إدارة وأكثر من عون وموظف.. كل منحة على هذه الطريقة والحكومة الظريفة بخير، في انتظار معاناة ومحن أخرى.