أعلنت الحكومة عن اعتزامها "تعميم" المنحة الجامعية على جميع الطلبة المنحدرين من الأقاليم المشمولة بما يسمى "جبر الضرر الجماعي"، أما وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، فقد حاول تبرير هذا القرار، بمسوغات ومبررات نعتقد أنها لن تشفي غليل المعنيين بالأمر وهو طلبة الأقاليم المشمولة بما يسمى ب " جبر الضرر الجماعي" وقبل ذلك الرأي العام الوطني، ولن تحدث لديه قناعة تامة بمصداقية ما أقدمت عليه الحكومة في هذا الشأن، وفي هذا التوقيت بالذات. فلا أحد سيختلف حول مبدأ تحسين الأوضاع المادية والاجتماعية للطلبة الجامعيين المنتمين للشرائح الاجتماعية الضعيفة والمتوسطة، لأن ذلك يعتبر جزءا لا يتجرأ من قضية الإصلاح الجامعي، الذي نلاحظ أن الحكومة تصر حتى الآن على نهج المقاربة التجزيئية والانفرادية في معالجة ملفات وقضايا ذات بعد وطني واستراتيجي ويهم كافة الفاعلين والمتدخلين في القطاع مثل قطاع التعليم العالي والبحث العلمي. نحن نتساءل لماذا الإعلان الآن عن "تعميم" المنح على طلبة الأقاليم المشمولة ب "جبر الضرر الجماعي"؟ وهل هذا التعميم سيستجيب فعلا لكل انتظارات ومطالب الطلبة المحرومين من المنحة الجامعية؟ وهل المبلغ المقرر كاف لحل كل المشاكل المادية والاجتماعية التي يعاني منها هؤلاء الطلبة منذ سنوات، والتي لها تأثير سلبي على مسارهم الدراسي والجامعي؟ وهل قامت الحكومة بإعمال المقاربة التشاركية والتشاورية مع كافة المعنيين لكي تخلص إلى مثل هذا القرار الذي أقل ما يقال عنه أنه قرار انفرادي، فاجأ حتى الطلبة المعنيين الذين يئسوا من وعود الحكومة والوزارة المعنية لتحسين أوضاعهم؟ وماذا عن قضية الرسوم التي ستفرض على الراغبين في الولوج إلى الجامعة لاستكمال مشوارهم الدراسي والعلمي؟ أو لا يشكل ذلك تناقضا بين قرارين واحد توهم الحكومة من خلاله الرأي العام أنها جادة في حل الإشكاليات التي تعترض مسار المؤسسات الجامعية خاصة ما تعلق بأوضاع الطلبة الذين يدرسون في الجامعات التابعة للقطاع العام، والآخر يكشف عن سياسة جديدة ترمي إلى الدفع الحثيث إلى خوصصة المؤسسة الجامعية وبشكل غير مباشر؟ نعم، إن مطلب تعميم المنحة والرفع من قيمتها يبقى مطلبا مشروعا لعموم الطلبة الجامعيين، ناهيك عن الزيادة فيها، في ظل التكاليف والمتطلبات المادية الجديدة التي يفرضها الواقع الراهن، الناتجة عن الزيادات الصاروخية في الأسعار خاصة المحروقات والزيادة المرتقبة في الماء والكهرباء رغم الزيادات الهزيلة التي أعلنت عنها الحكومة بالنسبة للحد الأدنى للأجور، والتي أثقلت كاهل الأسر المغربية التي يدرس أبناؤها بالمؤسسات الجامعية التابعة للدولة. وبالتالي فإن ردود فعل كثير من الطلبة تجاه هذا القرار القاضي بتعميم المنح الجامعية لغير المستفيدين في حدود 600 درهم، لم تكن متفائلة ولا متحمسة، في سياق ما تعيشه الجامعة من أوضاع غير صحية. إن الجامعة المغربية ظلت منذ تأسيسها الملاذ الحقيقي لأبناء الفئات الاجتماعية الضعيفة ومركزا للتحصيل العلمي والإشعاع الثقافي، ومنطلقا لتخريج الأطر ورجالات الدولة، لكنها اليوم تمر بأزمة حقيقية لا نخال أن التركيز على جزئية رغم أهميتها كتعميم المنحة الجامعية، سيمكن من تصحيح أوضاعها المقلوبة، فهي تعيش فعلا أزمة بنيوية في كل الاتجاهات، بقيت سببا في تفريخ آلاف من المعطلين سنويا ومئات من الأطر المعطلة، أمام تقادم بنياتها التحتية وتراجع دورها البحثي والتعليمي، ومعاناة طلبتها من غياب ادنى الشروط الضرورية لتلقي التحصيل العلمي، زد على ذلك التزايد المهول في أعدادهم، في ظل غياب تخطيط استراتيجي للإصلاح الحقيقي للجامعة، مما يكرس عمق أزمتها وخطورة وضعيتها رغم كل التجارب الإصلاحية التي مرت بها لاستعادة ريادتها على المستوى الإقليمي والعربي والدولي. فبدل أن تشمر الحكومة عن ساعديها لرصد مكامن الداء والعمل على إصلاحها ،اختارت الطرق الملتوية للإيحاء بأنها تسعى إلى النهوض بها وبأوضاع الطلبة، لغايات نحن على يقين أنها لم ولن تخدم في شيء تطلعات الشعب المغربي إلى مؤسسة جامعية حقيقية يفخر بها بين الشعوب . فالمؤكد حتى الآن أن غياب الإرادة الحقيقية لإنقاذ الجامعة المغربية وإصلاحها إصلاحا حقيقيا ومعمقا، بإشراك جميع الفاعلين والمتدخلين، سيعمق من أزمتها، والتي لاشك هي تعبير آخر عن الفشل الذريع للحكومة في القضاء على كل مظاهر الفساد التي تنخر مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة الجامعية.