وجه محمد الفيزازي، أحد شيوخ السلفية الجهادية المُفرج عنه بعفو ملكي، رسالة إلى السلفي الجهادي رضى بنعثمان ردا على مقال له نشره بدومان أونلاين انتقد فيه أطروحاته حول ما يُعرف بالسلفية، وفيما يلي نص الرسالة التي نشرها الفيزازي على صفحته بالموقع الاجتماعي الفايسبوك: المغرب كالفرات الزُّلال... لا يتأثر بأن يلَغ فيه كلب عقور... ردا على المدعو رضى بنعثمان محمد الفزاز / طنجة بسم الله الرحمن الرحيم نشرت جريدة [دومان أون لاين] التي يديرها علي المرابط بتاريخ 21 / 04 / 2014 تحت عنوان [السلفية والحكم في المغرب] مقالا عدائيا في حقي شخصيا... وفي حق الأمة المغربية برمتها فكان لي عليه هذا الرد: كون الموقع المذكور والقائمين عليه يقومون بالمعارضة غير المشروعة هذا معلوم ولا جديد فيه. ومعنى "غير المشروعة" أنها معارضة لأغلبية الشعب المغربي الذي يحتضن ملكه ومؤسسة إمارة المؤمنين احتضانا عضويا لا انفكاك منه... سواء آمن هؤلاء المعارضون بهذه الحقيقة أم لم يؤمنوا. وهي حقيقة جوهرية تؤرق كل المعارضين والمعترضين داخل المغرب وخارجه. أي أن هؤلاء المغرضين يفتقدون شيئا أساسيا اسمه "الواقعية". هذه الواقعية هي ما يشكل الاستثناء المغربي الذي لا يريد الجاحدون الاعتراف به. وكلما ابتعد المرء عن الواقعية إلا وجد نفسه شاذا منبوذا لا يَلْوي على شيء مهما استقوى على أصوله وجذوره بالأجنبي. تخَلّوا عن الواقعية وتحلّوا بالعدمية... ولبسوا نظارات سوداء كالحة فلم يروا إلا السواد... حتى وإن كانت الألوان زاهية من حولهم والإنارة غامرة. رضى بنعثمان لم يكن موفقا في اختياراته السياسية على الإطلاق وهو يوجه سهامه المسمومة إلى الدولة... صحيح هو أراد أكل الثوم بفم "السلفيين". حيث إن الطعون المكشوفة للمؤسسة الملكية على لسان من اعتبرهم سلفيين، والذين كانت لهم مواقف "معادية" سابقة للنظام... وهي مواقف - بصرف النظر عن صحتها - تقع بردا وسلاما على أفئدة المعارضين ويتغذون عليها على قاعدة [عدو عدوي صديقي]. باتت هذه الطعون فارغةَ المحتوى ومنتهية الصلاحية بعزم هؤلاء "السلفيين" - وأنا على رأسهم جدلا - على القطيعة النهائية مع كل عداء للمؤسسة الملكية، باعتباره عداء غير واقعي وغير مُجْدٍ البتة... ولا يمكنه أن يكون في صالح الدعوة إلى الله التي ننتهجها ونمارسها منذ عقود من الزمن... وهذا مجال آخر لا يمكن للمدعو رضى بنعثمان أن يفهمه. لقد سُقِط في يد هؤلاء عندما رأوني شخصيا ورأوا غيري ممن يُحسبون على "السلفيين" آثرنا النهج التصالحي ومحاربة الفساد والاستبداد من داخل المؤسسات لا من خارجها، ومع الشرعية لا ضدا عليها... ومع أمير المؤمنين لا مع المنشقين أو الانفصاليين... سُقط في يدهم وخاب مسعاهم وممشاهم. بنعثمان هذا يتحدث عن السلف والسلفيين وهو جاهل تماما بما يتحدث عنه... همه الوحيد الطعن لمجرد الطعن؛ متوهّما أنه يمارس حقه في التعبير. وأنا شخصيا لا مانع عندي من أن ينتقدني فلان أو علان. فالنقد لا يكون أصلا إلا لمن له حضور في المجتمع وتأثير معلوم بصرف النظر عن طبيعة هذا التأثير وذاك الحضور. نحن مع النقد الموضوعي البناء ، لا مع تلطيخ الصفحات بالبهتان والافتراء. فهل يدرك المدعو بنعثمان أن السلفية سلفيات؟ وأن "السلفيين" في المغرب ليسوا كأمثالهم في البلاد الإسلامية الأخرى، وأنهم لا يشكلون تنظيما قائما، ولا إطارا سياسيا، ولا حتى دعويا، اللهم إلا بعض الجمعيات النشطة هنا وهناك والتي لا ترقى لأن تكون كيانا متحدا بقيادة واحدة ومنهج معلوم وأدبيات تنظيمية مقروءة ومنظرين معروفين... إلخ. خلط الرجل بين ما يصطلح عليه بالجهاديين والتكفيريين والعلميين والحركيين... ويجهل أن كل فئة من هؤلاء تنقسم إلى فئات متعددة. خذ الجهاديين مثلا: هناك الموالون للقاعدة، وهم أيضا أشكال وأصناف... وغير الموالين لها وهم فصائل وقبائل... ثم الذين هم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء... حتى إنك لتجد أحدهم بمفرده نسيجَ وحْدِه... تحت عنوان [اللحى الزائفة] راح صاحبنا يبحث في ثنايا مناظرة لي أجريتها مع أحد علماء سورية وهو الشيخ عدنان عرعور منذ سنين طويلة... فلم يهتم في هذه المناظرة التي كان جوهر محاورها العقيدة ومسمّى الإيمان ... سوى ببعض ما قيل فيها حول الحكم والخلافة وما شابه مما جاء عَرَضا في النقاش وليس قصدا... فهل بنعثمان مع "الخلافة" الإسلامية أصلا حتى يتباكى عليها؟ الجواب لا. وهل "إمارة المؤمنين" نفسها بعيدة عن الخلافة الشرعية ابتداء؟ الجواب لا. وهل بنعثمان ومن معه قادرون على الحديث في السياسة الشرعية والأحكام السلطانية؟ الجواب لا... أفلا يتحقق فيه مصطلح "الرّوَيْبِضَة" أي الرجل التافه الذي يتكلم في شأن العامة؟ الجواب بَلى. إن محاربة الفساد ومقاومة الاستبداد لا يمكن أن تكون من فاسد ولا مستبد... وكثير من الحناجر والأقلام التي تلوّح بضرورة الإصلاح واحترام حقوق الإنسان وحتمية التغيير والحق في التعبير... إلخ، تجدها غارقة في الفساد دينا وخُلقا... قلبا وقالبا... شكلا ومضمونا، ليس لها فتور ولا تريُّث في مهاجمتها لثوابت الأمة عقيدة ووحدة وقيادة... حنين المدعو بنعثمان ومن معه لما أسماه الربيع "العربي" والحرقة التي يحملها في قلبه هو وأضرابه وهم يرون ذلك "الربيع" قد مر فوق سماء المملكة كسحابة صيف من غير تأثيرات سلبية ولا تغييرات خارقة... لهو حنين جليّ وحُرقة حارقة، لا تخفى على القارئ من خلال لحْن القول... كل ذلك وهو يتحدث عن المعارضة السلفية للنظام... وهي معارضة معششة في مخيلته الحقودة ولا وجود لها في أرض الواقع إلا من أفراد هنا وهناك سلفيين ويساريين وصوفيين وليبيراليين... وهو منهم، دون أي تأثير يذكر. وهذا شيء طبيعي جدا، لكن لا يرقى إلى مدلول كلمة [المعارضة] على النموذج التونسي مثلا أو المصري أو اليمني أو حتى السوري... والتي يريد هو تسويقها للخارج على وجه الخصوص إمعانا فيما يشبه الخيانة المبطّنة إن لم أقل المعلنة للوطن. "الربيع العربي" وصل إلى المملكة. لكنه وجد شعبا يحب ملكه فلم يُزهر هذا الربيع. ووجد ملكا ذكيا فطنا فتجاوز مطالب "الربيع" بأن أعلن يوم 9 مارس 2011 في خطابه الشهير عن مشروع دستور جديد وانطلاق عهد جديد ... في دهشة وذهول ممن نزلوا إلى الشارع، فلم يبق لهؤلاء النازلين ما يطالبون به... فتلاشت قوتهم يوما بعد يوم، وخارت تكتلاتهم أمام إصرار البوليس على عدم استعمال القوة المفرطة، بل ولا حتى القوة المسموح بها دوليا... فكانت النتيجة أنِ اندثرت آمال "الربيع" وتحول الربيع إلى خريف ... وفاز الشعب في النهاية بالحفاظ على الاستثناء المغربي على الرغم من بعض الخدوش والإزعاج العابر من حين لآخر... خدوش لا قيمة لها. وما بنعثمان إلا إحدى هذه الخدوش التي تهْذي كي تؤذي... لكن المغرب يسير إلى الأمام وهو أحسن حالا بكثير من دول الجوار... من أسوأ ما يمكن التخلّق به من قِبل أشباه الديموقراطيين أن ينادوا بالديموقراطية وهم أول من ينتهكها. ومن قِبل أشباه المثقفين أن يطالبوا بحماية الثقافات، ومن قِبل أشباه الحقوقيين أن يعلنوا نضالات حقوقية. ومن قبل المتحررين جدا أن يرغبوا في توفير الحرية. وكمثال بسيط: ماذا ينقص بعض "النشطين" المعروفين في مجال الحريات تحديدا... ألا يفعلون كل ما يشاؤون دون حسيب أو رقيب؟ ألا يقولون ويكتبون كل شيء متجاوزين كل الحدود والقيود؟ فلا خطوط حمراء ولا زرقاء؟ فماذا يريدون؟ وعن أي حرية يتحدثون؟ حرية المثلية ! والإفطار العلني في رمضان ! وممارسة الدعارة علنا ! وتعطيل كل ما يمت إلى صريح الإسلام وصحيحه من أحكام لا تروقهم ولا تعجبهم مع أنه لا أحد يسائلهم عما يقترفونه من موبقات آناء الليل وأطراف النهار... يطالبون بالحرية وهم أحرار أكثر من اللازم... والمرء حر ما لم يضر... وهؤلاء يضرون أنفسهم قبل أن يضروا غيرهم. إن منابر السوء داخل الوطن وخارجه تصطدم بقوة مع وعي الناس وحذرهم فلا تعدو صيحات تلك المنابر المشبوهة أن ترتد إلى أصحابها صدى خاسئا وهو حسير كصيحة في واد أو نفخة في رماد... يتحدثون عن الديموقراطية والحرية والاستبداد والقمع والمنع... كل ذلك وهم داخل الوطن يصولون فيه ويجولون... يغادرونه ويعودون... بكل حرية وأريحية... مع علمهم الكامل أنهم لو كانوا في عهد غير هذا العهد، وفي بلد غير هذا البلد لبلعوا ألسنتهم قبل التفكير في الكلام، ولقطعت ألسنتهم ورقابهم عند أول كلمة ينطقون بها. ولكنه الجحود والحقد والنذالة في أخس صورها. وصدق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم القائل: ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت ) رواه البخاري. مرة أخرى: المغرب يسير. ونحن من جهتنا نسير معه ومن أجله في اتجاه الصالح العام... وهو الصالح المعلوم: الإسلام، ووحدة الوطن، وتماسك الشعب، والتعاون مع القيادة على البر والتقوى... هذا هو المغرب النافع. المغرب ذو الخير المتدفق كالفرات الزُّلال... يتدفق عذبا صافيا نقيا لا يتأثر ولا يتغير بأن يلغ فيه كلب عقور... مهما كان الكلب مصابا بداء السُّعار، أو مغمورا بالقمّل... فالنبع صافٍ، والشراب صائغ... والماء جارٍ... والقافلة تسير...