ليس من السهل أن يستوعب الناس أن يلقي شيخ من شيوخ السلفية الجهادية خطبة الجمعة أمام أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس. ولكن ليس من الصعب اكتشاف تاريخ التحولات التي عرفها محمد الفيزازي والتي عبر عنها في بيانه التاريخي من السجن المحلي بطنجة، والتي يمكن اعتبارها المراجعات الحقيقية داخل تيار السلفية الجهادية الشبيهة بمراجعات الجماعات الإسلامية. ويوم أعلن الفيزازي عن قناعاته لم يكن يبدو في الأفق أي انفراج لأزمته حيث لم يكن واردا إطلاق سراحه الذي تم في خضم الحراك المغربي أو في خضم ثورة الملك والشعب الثانية بعد ثورة الملك والشعب التي قادها جلالة المغفور له محمد الخامس بتعاون مع الحركة الوطنية. وبالتالي فإن بيان الفيزازي كان الغرض منه ليس الحصول على مغانم أو الخروج من السجن إنما أملته قناعة تحصين الشباب حتى لا ينزلق في متاهات العنف والقتل. والحق يقال فإن الفيزازي وقبل مراجعاته لم يكن يتطاول على مقام إمارة المؤمنين، وبالتالي ليس هناك أي إحراج في إلقاء خطبة أمام أمير المؤمنين، والذي وصفه في بيانه التاريخي بأنه الثائر الأول داعيا الشباب إلى الدفاع عن الملكية وعن الوطن وحماية المغرب. وازدادت قناعات الفيزازي رسوخا بعد الربيع العربي، الذي بدا انه لم يكمل مدته الزمنية الطبيعية، واحترقت أزهاره قبل الآوان بل إنه لم ينبت سوى الأشواك التي أدمت أقدام العالم العربي ولم ينتج سوى الحرائق التي أتت على الأخضر واليابس. فالفيزازي الذي خبر أفكار السلفية الجهادية والحركة الإسلامية عموما يرى بأم عينيه أن الإسلاميين في المغرب يعيشيون حياتهم السياسية بشكل طبيعي حتى الراديكاليون منهم وأن الاعتقالات تتم عن بينة وحجة عندما يقدم البعض منهم على تأسيس خلايا لتوظيفها في العنف، ويرى أن الإسلاميين في المغرب يقودون الحكومة حتى لو اختلف معهم ويرى أن من تبت براءته من السلفية الجهادية يخرج من السجن. ومعها يرى أن جماعة الإخوان المسلمين انزلقت من عرش الحكم إلى قاع السجون وأن قادتها يواجهون أحكام الإعدام، ويرى أن الإخوان الذين "جاهدوا" قرابة القرن بمجرد وصولهم إلى الحكم حولوها إلى فرعونية وخصوصا الإعلان الدستوري الذي حصن به مرسي نفسه ولولا تدخل الجيش لعادت محاكم التفتيش القروسطية إلى أرض الكنانة. ويرى الفيزازي أن الربيع العربي حول ليبيا إلى دولة المليشيات من يستيقظ باكرا يحكم الحي والدرب والمدينة، وأن النفط الليبي الذي هو ثروة مشتركة يباع دون إذن الدولة. ويرى الفيزازي أن سوريا حولها الربيع العربي إلى دمار بعد آثار وإلى رماد بعد ربيع. هذا هو الفيزازي الذي ألقى خطبة الجمعة أمام أمير المؤمنين، في رسالة واضحة إلى أن اختلاف القراءات وتنوعها لا يخرج عن التفاف المغاربة حول إمارة المؤمنين كمؤسسة حاضنة للتأويل الإيجابي للنص المقدس وحامية للمغاربة من التطرف والعنف الديني الذي لا تخلو من بلد من بلدان العرب. ويصنف محمد الفزازي تارة ضمن السلفية الجهادية وتارة ضمن السلفية العلمية لكنه يصرح برفضه لهذه التصنيفات ويكتفي بأنه مسلم فقط، وللفيزازي استدراكات على عدد من مشايخ السلفية وأبرزهم الشيخ الألباني.