مثله مثل غيره من الإسلاميين قال رجب طيب أردوغان، رئيس وزراء تركيا، إن حملة التطهير التي تجرى في بلاده هي مؤامرة ضد حزب العدالة والتنمية على مقربة من الانتخابات الجماعية. وكانت الشرطة قد شرعت في التحقيق مع العشرات من المسؤولين المقربين من حاكم تركيا ذي التطلعات العثمانية الإمبراطورية، وذلك بتهم تتعلق بالفساد واستغلال النفوذ ومن بينهم أبناء وزراء فيما تتم مطالبة ثلاثة وزراء بالاستقالة تسهيلا للتحقيقات الجارية. هذه المرة الضربة قوية وستخرس الإسلاميين. ففي كل مرة تنتفض المعارضة ضد حكم الإسلاميين يتحدث هؤلاء عن المؤامرة. وقد أبدع عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، في تشبيه معارضيه بالتماسيح والعفاريت وكل أنواع الحيوانات فيما اختار غريمه إلياس العماري تشبيهه ب"الغزال". وعلق بنكيران فشله على الأشباح التي لا تظهر في لمز وغمز إلى نواة الدولة. وعندما انتفض الشعب المصري أو الجزء الكبير منه ضد حكم محمد مرسي الرئيس الإخواني، تداعى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في اجتماعات بقطر وتركيا وباكستان للحديث عن المؤامرة الدولية على الإخوان وحكمهم وبحث سبل عودة "الشرعية" في مصر والحفاظ على ما تبقى من حكومات. وفي تونس ورغم الانحناءة التي قام بها راشد الغنوشي، الحاكم الفعلي لتونس، فإن حركة النهضة ظلت ومنذ بداية الانتفاضة ضد حكمها تتحدث عن فلول بنعلي والحزب الدستوري والدولة العميقة الذين لا يريدون لتونس التغيير. المشترك بين الجهات التي ادعى الإخوان أنها وقفت ضد حكمهم هي أن جهات من الفلول والدولة العميقة والليبراليين والعلمانيين الذين لا يرغبون في حكومات إسلامية، وصولا إلى حد اتهام بعضها بأنه ضد الإسلام نفسه. وشرعت في التشنيع على المعارضين، رغم أن العديد من هؤلاء لا يخفي أنه ضد حكم الإسلاميين لأنه يختلف معهم جذريا في رؤيتهم للمشروع المجتمعي. وبعد الضربات التي تلقاها الإخوان المسلمون في العديد من المواقع لم يبق لهم غير النموذج الأردوغاني للتعلق بأهدابه. ويوم زار المغرب قلنا لهم لا تفرحوا بهذا الشكل من البهرجة التي صنعها الغرب لتقديم نموذج إسلامي مقبول. وقلنا إنه ليس نموذجا ولكن لأنه عرف من أين تؤكل الكتف داس على شيخه نجم الدين أربكان وفتح له الغرب صنابير المال بعدما تم حرمان الحكومات العلمانية منها. ها هو الصنم اليوم يسقط تحت الضربات. والضربة هذه المرة موجعة. في الحالات السابقة تحدث الإسلاميون عن أعداء المشروع الإسلامي من فلول ودولة عميقة وليبراليين ويساريين. لكن هذه الضربة أو اللكمة جاءت من صانع أردوغان نفسه. إن ما يجري اليوم بتركيا من حملة ضد الفساد المرتكب من قبل مقربين من "السلطان العثماني" يقوده محسوبون على فتح الله كولن. وعلى عكس نجم الدين أربكان الذي يعد أب الإسلام السياسي في تركيا، فإن فتح الله كولن هو أب الإسلام الاجتماعي. فهو مؤسس وزعيم "حركة كولن"، وهي حركة دينية تمتلك مئات المدارس في تركيا، ومئات المدارس خارج تركيا، بدءًا من جمهوريات آسيا الوسطى، وروسيا وحتى المغرب وكينيا وأوغندا، مرورا بالبلقان والقوقاز. كما تملك الحركة صحفها ومجلاتها وتلفزيوناتها الخاصة، وشركات خاصة وأعمالا تجارية ومؤسسات خيرية. ولا يقتصر نشاط الحركة على ذلك بل يمتد إلى إقامة مراكز ثقافية خاصة بها في عدد كبير من دول العالم. وأول ما يلفت النظر في كولن هو أنه لا يفضل تطبيق الشريعة في تركيا، ويقول في هذا الصدد إن الغالبية العظمى من قواعد الشريعة تتعلق بالحياة الخاصة للناس، فيما الأقلية منها تتعلق بإدارة الدولة وشؤونها، وأنه لا داعي لتطبيق أحكام الشريعة في الشأن العام. ووفقا لهذا يعتقد كولن أن الديمقراطية هي أفضل حل، ولهذا يكن عداءً للأنظمة الشمولية في العالم الإسلامي. ومع أن أربكان ينظر إليه بوصفه أستاذ أردوغان، إلا أن تجربة حزب العدالة والتنمية في الحكم تشير إلى أن كولن هو أستاذ أردوغان الحقيقي. اليوم انزعج الأستاذ من التلميذ. بل إن الأستاذ يريد طرد تلميذه الذي بدأ في امتلاك خصائص فرعونية. ويقول كولن وحركته إن أردوغان ورط تركيا في مشاكل إقليمية لا حصر لها وخصوصا احتضانه لمعسكرات تدريب الإرهابيين الذين يقاتلون بسوريا. سقوط أردوغان أصبح حتمية. لكن لسوء حظه لن يجد ما يعلق عليه سقوطه لأن الضربة جاءت من أستاذه وواحد من رواد الحركة الإسلامية. أما بنكيران فسيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله لقد تأسلمت التماسيح.