يقول "ألبير كامي" : "من يشعر باللامعقول، يرتبط به أبدا"، أسطورة "سيزيف"؛ صفحة 50.. والظاهر أن رجال الدين، الذين ابتليت بهم الأمة، وضاعت في مسالك حياتها بسبب حماقاتهم، وبفعل توجيهاتهم المريبة، وبفتاواهم الغريبة، لم يشعروا باللامعقول الذي يصدرون عنه، ومع ذلك ارتبطوا به إلى الأبد، وفرضوه على المسلمين في كل مناحي الحياة وأضرابها.. لقد أفتوا بأمور أضحكت علينا العالم، وسخِرت منا بسببها الأمم، وأثلجت صدور أعداء الإسلام في كل مكان.. وبعد فتوى "جهاد المناكحة" البغيضة، طلعوا علينا أيام العيد بفتوى أغرب للسامعين، وأطرب للمُعادين، ومفادها أنه يجوز للسوريين أكل القطط والكلاب، تفاديا للمجاعة.. هكذا.. ففي الوقت الذي تُذْبَح فيه ملايين قطعان الأغنام، وفي الوقت الذي تُقدّم فيه ملايين الذبائح كهدي في موسم الحج، في هذا الوقت يقال لمسلمي سوريا الجريحة : كلوا القطط والكلاب إذا مسّكم الجوع.. وعندما تنقرض الكلاب والقطط من سوريا، فسوف يفتونهم بفتوى جواز أكل لحم البشر نيّئًا أو مطبوخا، وإذا كان اللحم لحم مسلم، وجب أكله من دون طبخ احتراما له، اُنظر كتاب "الإقناع"، جزء : 02؛ صفحة، 562.. أو كتاب "الزواجر" لابن حجر الهيتمي؛ ثم المراجع كثيرة، ومنها ما يجيز أكل الفئرن والصراصير، وقس على ذلك.. وهذا هو الأمن الغذائي الذي يفكر فيه هؤلاء الملتحون، الذين يريدون الاستحواذ على السلطة، ومن أجل هذا ضحكوا على ذقون السذج، وأمروهم بإشعال الفتن بدعوى الثورة، والتغيير، والجهاد في سبيل الله كذبا وباطلا ليس إلا.. هذا هو المستقبل الذي يريدونه للمسلم، وهذا هو الغد الأفضل الذي يحثّون من أجله الشباب في أمة البترول، والأموال المكدسة في الأبناك الدولية.. فبدلا من أن يفتوا بإعطاء السوريين ولو جلود الأضاحي على الأقل، تراهم أجازوا لهم أكل الكلاب والقطط؛ يا سبحان الله ثم اللهم عَفوك.. لم نسمع شيخ الشاشة، يفتح اكتتابا لمنكوبي سوريا، (أهل الشام النشامى)، كما يفتح اكتتابا لصالح المجلس الأعلى العالمي للعلماء عبر قناة الجزيرة مباشر، حيث تقدم النساء حليَهن وأقراطهن كما يجود الرجال بشيكات من حساباتهم البنكية لمجلس القرضاوي في قطر الغنية.. لم نسمع الشيخ "العرعور" صاحب المال الموفور، وأب رجال أعمال، يدعو لمساعدة السوريين كما دعاهم للفتنة منذ سنتين ونفخ في نارها كما ينفخ إبليس اللعين.. أما الشيخ "لحْويني" فإنه رد أسباب الفقر في العالم الإسلامي إلى كون المسلمين قدامتنعوا عن غزو البلدان الأخرى.. بالله عليكم أليس هذا هو اللاّمعقول والضحك على الذقون؟ ! وليعلم الجميع أن أوربا نهضت بعدما ناهضت فكر وسلطة هؤلاء المعمّمين، وحاصرتهم داخل الكنائس والأديرة، وحرّرت من نيرهم العقول والأنفس.. فنحن نعيش اليوم في عالمنا الإسلامي ما عاشته أوربا في القرون المظلمة.. نحن نعيش اليوم أزمة العقل، وانحسار العقلانية، واختفاء التفكير العلمي، وهذا كله هو الأصل في كل أوجه التخلف التي نعيشها قرونا خلت، وبسبب هذا التخلف العقلي والعلمي والفراغ الذهني والمعرفي، طفا هؤلاء على السطح، إلى درجة أنك صرت تسمع الداعية "العُتَيْمين" يقول إن كل من يؤمن بأن الأرض تدور حول الشمس فهو كافر، وأن كل امرأة لها شعر أو لحية في وجهها وجب عليها تركها وعدم إزالتها، وإذا فعلت ذلك عند طبيب أو اختصاصي فهي آثمة؛ يقول هذا بلهجة الواثق، في القنوات، جوابا عن أسئلة المغفلين، وما أكثرهم في بلاد الإسلام والمسلمين.. على المسلمين المتفتحين والعارفين بحقيقة الدين الحنيف أن يحذِّروا الناس من سموم هؤلاء المعممين والملتحين الذين لا يوجد في خطابهم إلا كلمات القتل، والغدر، والدماء، وجهاد النكاح، وأكل لحم البشر ولحم الكلاب والقطط بالإضافة إلى رضاع الكبير ومضاجعة المرأة الميتة، مع احتقار المرأة والتقليل من قدرها.. هؤلاء شتتوا الأمة وضيعوا الإسلام وهددوا الوحدة وخرّبوا البلدان وشككوا الناس في الإيمان وأفتوا بما لا يقوم عليه دليل أو برهان و"حيثما لقيتموهم، احثُوا في وجوههم التراب" كما قال النبي الكريم.