ترأس مساء أول أمس الثلاثاء، جلالة الملك محمد السادس جلسة عمل بالدارالبيضاء تم تخصيصها لتدارس مختلف الجوانب المرتبطة بالهجرة إلى المغرب قصد بلورة سياسة شاملة لقضايا الهجرة بالمغرب، نظرا لما تقتضيه هذه القضية من وضع خطة استراتيجية محكمة للتعامل مع المهاجرين، لأن المغرب يعد أرض هجرة بامتياز منذ موجة الهجرة الأولى التي انطلقت مع الحرب العالمية الأولى، وأرض استقبال وتوافد، وحتمت ذلك التغيرات التي يشهدها المغرب في مجال الهجرة واللجوء، التي لا يمكن فهمها إلا من خلال اعتبار تاريخ المغرب على امتداده من جهة والتحولات المسجلة على مدى العقود الأخيرة على المستوى الدولي في المجال من جهة ثانية، ولابد من استيعاب سياق الموجة الجديدة من الهجرة باعتبار أن المغرب كبلد ينتمي إلى القارة الإفريقية التي تواجه تحديات التنمية وتعيش بانتظام على وقع أزمات سياسية ونزاعات مسلحة، لا يمكن أن يظل بعيدا عن عواقب هذا الوضع المضطرب والمرشح للاستمرار، علما أن المغرب يعاني من آثار السياسة الصارمة التي تعتمدها أوروبا لمراقبة حدودها الخارجية. وأكد جلالة الملك خلال اللقاء، الذي حضره فؤاد عالي الهمة مستشار الملك وفاضل بنيعيش المكلف بمهمة بالديوان الملكي ووزراء الداخلية والعدل والحريات والشؤون الخارجية والتعاون والمنتدب لدى وزير الداخلية والكاتب العام لقطاع التشغيل، أن المغرب أصبح أرضا للهجرة واستقبال المهاجرين حيث تضاعف عدد المهاجرين أربع مرات خلال السنوات الأخيرة. وبعد سنوات من توافد المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء بدأ المغرب في معرفة نوع ثانٍ من المهاجرين سواء من بلدان بعيدة جغرافيا عن المغرب، كاليابان والصين وكوريا والنيبال، أو مجاورة كإسبانيا وبلدان أوروبية أخرى بفعل تداعيات الأزمة العالمية الاقتصادية. ولأن المغرب بلد ديمقراطي وبلد له أعراف وتقاليد في الاستقبال وله تاريخ طويل في استقبال موجات الهجرة فقد ذكر جلالة الملك بضرورة تسوية وضعية المهاجرين من خلال القيام لدى السلطات العمومية بتسوية وضعيتهم من خلال ضبط أماكنهم إقامتهم والمهن التي يزاولون، شأنهم في ذلك شأن المهاجرين في وضعيات شرعية من جنسيات أخرى، وذلك بعد أن سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة دستورية المجلس أنه وفي مواجهة هذه الوضعية التاريخية غير المسبوقة، تتدخل السلطات العمومية حسب الحالات، من خلال خطوات متتالية، دون أن تتخذ مبادراتها، صبغة تصور شامل ومتكيف مع الواقع الجديد. ومن هذا المنطلق يأتي تخصيص هذا اللقاء لمدارسة إمكانيات إيجاد صيغ عملية للجواب عن تحديات واقع الهجرة. ويتطلب احتضان المهاجرين في ظروف تقتضيها القيم الكونية والإنسانية وتنسجم مع التزامات المغرب الدولية، يتطلب بنيات للاستقبال من خلال إيجاد فرص الشغل لهؤلاء المهاجرين وضمان السكن والعلاج، ونظرا لصعوبة توفير كل هذه الإمكانيات فإن المغرب لا يمكنه استقبال جميع الوافدين من بلدان العالم، حيث أصبح المغرب يحتضن مهاجرين من جهات العالم الأربع. وسجل المغرب أن عدد المهاجرين غير الشرعيين تضاعف حيث يدخلون من شرق وجنوب المغرب ويستعملون العنف لاقتحام الحدود مما يتسبب في إصابة العديد من القوات العمومية، وإذا كان ملف المهاجرين يعرف بعض التجاوزات التي تبقى معزولة، فإنه ليس هناك أي استعمال ممنهج للعنف، ويرفض المغرب رفضا قاطعا الادعاءات التي تتناول تدبير مشاكل المهاجرين بملف الحقوق، التي تبقى مرعية في المغرب، هو محاولة يائسة للنيل من سمعة المغرب. فالسلطات العمومية لا يمكنها في إطار اضطلاعها بمهامها في محاربة الهجرة غير الشرعية وتقنين وضعية المهاجرين عدم مراعاة المقتضيات الدستورية في مجال حقوق الإنسان وحقوق الأجانب وكذا الالتزامات الدولية للمغرب التي تكرسها مصادقته على مجموع الصكوك الدولية الخاصة بحماية حقوق الإنسان، لاسيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والاتفاقية الدولية لحماية العمال المهاجرين وأفراد أسرهم والاتفاقية المتعلقة باللاجئين. وكان جلالة الملك قد أعطى في أكثر من مرة الأوامر لمن يعنيهم أمر الملف بضرورة احترام حقوق المهاجرين وبضرورة توفير المساعدة للذين يريدون العودة إلى ديارهم ومعاملتهم دون تمييز، كما حدث سنة 2007 عندما تم تخصيص طائرات تابعة للخطوط الملكية المغربية قصد عودة مجموعة من المهاجرين إلى بلدانهم بعد قضية محاولة اقتحام الأسلاك الشائكة بمليلية المحتلة. وأثناء اللقاء المذكور أعطى جلالة الملك توجيهاته لتفعيل الإجراءات الكفيلة بحماية حقوق المهاجرين وذلك بتنسيق الجهات المختصة والفاعلين في هذا المجال إلى التنسيق مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي أعد تقريرا موضوعيا حول المهاجرين بالمغرب، وذلك قصد وضع استراتيجية ومخطط عملي للتعامل مع القضية في سياق احترام المغرب لالتزاماته الدولية وانسجاما مع وضعية المغرب كبلد لاستقبال المهاجرين.