ظلت مواقف الدول الخليجية وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة واضحة في مساندتها للقضايا العادلة للمغرب ووقوفهما إلى جانبه في سرائه وضرائه. والخليج العربي عرف بكونه منطقة استراتيجية موضوعة تحت مناظير وأقمار الدول الكبرى، يهدؤون حين تهدأ دوله وأقاليمه، وينزعجون لأصغر جمرة سقطت داخل شعابه. ولذلك كان من الضروري أن يتحلى زعماء هذه المنطقة على الدوام بالحكمة والبصيرة وسعة الصدر وبعد النظر. وقد كان أمير دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان واحدا من حكماء المنطقة، إذ اتسمت خصاله بالصبر ورجاحة العقل وطيب الشمائل. وقد كان الراحل منصتا جيدا وموجها ذكيا ولم يكل ويمل من المبادرات الحسنة لفائدة الدول العربية والإسلامية، وموقفه التاريخي بخصوص الصراع العراقي الكويتي يشهد له بذلك. وفي المملكة العربية السعودية عرف الملك فيصل بالحزم والجرأة والشجاعة ويذكر له التاريخ وقوفه المدوي سنة 1973 في وجه العدوان الإسرائيلي على الأراضي العربية، ومبادرته التاريخية الجريئة لإيقاف تزويد النفط لكل الدول الداعمة لإسرائيل بما فيها أمريكا. ورغم الانتقادات التي وجهت لفكرة إيقاف تزويد الدول الكبرى بالنفط، إلا ان العارفين بالأمور فطنوا حينها إلى ذكاء الرجل وإتقانه التلويح بأوراق الضغط القوية، ولذا جعلته مجلة "التايم" الأمريكية الشهيرة رجلا لعام 1973. أما الملك خالد والملك فهد فقد عرفا بحيويتهما في فض المشاكل المقلقة في العالم العربي، أيامها كان الملك الراحل الحسن الثاني لا يكل ولا يمل من تنظيم صفوف العرب والمسلمين واحتضان القمم والمؤتمرات في المغرب. ويذكر التاريخ للملك فهد أنه دبر حلولا ومخارج لقضايا ونزاعات يصعب حلها، ومنها إخماد نيران الإخوة الأعداء في لبنان فيما سمي باتفاق الطائف. واليوم يشهد للملك عبد الله أنه اهتم كثيرا بشؤون وطنه، وانكب أكثر على تطوير أداء أجهزة الدولة بما يضمن لها التناغم والانسجام، في مرحلة يموج فيها العالم من حولنا بالتقلبات. ورغم أنه عانى كثيرا أثناء الهجوم الأمريكي على العراق، لكن يبدو أنه فضل أن يسلك طريق التغيير الحيوي من داخل بلاده من خلال توسيعه مجال الحريات وبناء فكر الإنسان السعودي. والعارف بأحوال السعوديين سيلاحظ أن مجال الحريات توسع بشكل ملحوظ، وأن المرأة أصبحت مشاركة بشكل فعال في التنمية، وقد لاحظت أثناء أحد المعارض الإسلامية قدرة إحدى المشاركات السعوديات من منطقة القصيم على التحرك وإبداء الملاحظات الدقيقة في تدخلاتها بصفتها رئيسة جمعية تنموية في تلك المنطقة. ولذلك، فالسعودية ومعها دولة الإمارت ستظلان على الدوام الأجدر بزعامة المنطقة الخليجية لخبرة قادتهما وقدرتهما على التدخل السريع والجاد، ولموقع الدولتين الهام في المنطقة، وتوفرهما على الموارد البشرية المؤهلة لذلك. وقد أتيحت لي أكثر من مرة ملاقاة أطر المملكة ومسؤوليها سواء حين درست بالمعهد العالي للرياض، أو حين زرتها في مناسبات مختلفة. وقد لمست عن قرب جدارة المقاربة التي نحن بصددها، ولعل الأمير ورائد الفضاء سلطان بن سلمان واحد ممن يجسدون هذا المفهوم بسعة اطلاعه وقدرته القوية على تسيير المؤسسات الرسمية والخاصة التي يشرف عليها. فهذا الشخص غير كثيرا من مفهوم الإمارة في المملكة، بفضل انفتاحه على الثقافات وحبه للتغيير الإيجابي السريع والتطوير النافع مما أهله أن يكون خبيرا دوليا في مجالات علمية رائدة. لن تخيفنا التغيرات التي تعرفها منطقة الخليج اليوم لأن من ولد في العواصف لن تخيفه الرياح الهوجاء، والمؤكد أيضا أنها لن تخيف غيرنا من حكماء العالم، حتى وإن ساورهم الشك أحيانا ما دام شك العاقل خيرا من يقين الجاهل. وسيكرس الغد حتما الأطروحة القائلة إن الزعامة ليست هي أن تسير على الطريق بل هي أن تعرف جيدا الطريق وأن تعرف كيف تخطو عليه ومن ثم كيف توجه غيرك إليه. وإن غدا لناظره قريب..