الفساد الحزبي كشف التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات عن مجموعة من الاختلالات التي ارتكبها العديد من المسؤولين في مواقع مختلفة، وتفاوت حجم هذه الاختلالات منها ما يتطلب الانذار والتوبيخ ومنها ما يتطلب الإعفاء من المسؤولية ومنها ما يتطلب تقديم صاحبها للمحاكمة، لكن بعيدا عن ذلك فإن ما يثير الانتباه أن أكبر نخبة ارتكبت الفساد في التسيير هي النخب الحزبية سواء في التسيير الجماعي أو في تسيير الجهات أو في التواطؤ مع وكالات التدبير المفوض أو حتى وسط النخب الحزبية التي جلبتها الدولة لتسيير المؤسسات العمومية. هذا المعطى بالخطورة بمكان وينبغي الوقوف عليه بجدية قبل الانتقال إلى مرحلة أخرى خصوصا وأن الدستور المقبل سيمنح صلاحيات كبيرة للمنتخبين الذين لن تكون أغلبيتهم سوى من النخب الحزبية التي تتقن طبعا اللعبة الانتخابية ومهما كانت نزاهة الانتخابات فإن هذه النخب تعرف كيف تتكيف مع الواقع ومع المرحلة. ولابد من الإشارة إلى أن الأحزاب السياسية قد تراجعت عن دورها الطبيعي ولم تعد تنتج النخب السياسية المثقفة والمناضلة والموسومة بالتضحية بالغالي والنفيس من أجل خدمة الوطن ولكن أصبحت أداة ووسيلة للتسلق الاجتماعي وتحولت من مدرسة للنضال إلى مقاولة، وإذا كانت المقاولة يتم فيها توظيف الرأسمال المادي قصد تحقيق أرباح من وراء ذلك، فإن المقاولة الحزبية توظف الرأسمال الرمزي وتنتج من ورائه أرباحا شبيهة في قيمتها بالمقاولة الصناعية. وبدل أن تهتم الأحزاب السياسية بتأطير الشباب باعتبار ذلك هو دورها الحقيقي، اهتمت بالكتلة الناخبة أو الناخب الزبون، كانت في السابق تؤهل المواطن للاختيار واليوم تؤهله ليضع صوته لصالحها، وفرق كبير بين مواطن يختار وبين ناخب زبون يصوت على من يقترحه الحزب حتى لو كان كبير المفسدين. إن عملية الإصلاح تتطلب عملين متوازيين إذا اختل أحدهما لن يجدي الآخر، العمل الأول يتعلق بصرامة آليات المراقبة ومعاقبة المفسدين من المسيرين والثاني يتعلق ب"تشطيب" الأبواب الحزبية قبل أن يدخلها الفاسدون والمفسدون الذين جعلوا منها أدوات للتسلق الاجتماعي وللحماية في حالة التورط في فضيحة. هل الأحزاب المغربية يوجد على رأسها مناضلون تم اختيارهم بطريقة ديمقراطية؟ الجواب لا وحتى وإن كان هناك استثناء فإن الاستثناء لا قاعدة له ولا يقاس عليه. فالقاعدة العامة بالمغرب هو أن قادة الأحزاب السياسية جاثمون على صدور المناضلين ترهيبا وترغيبا.وهم المتحكمون في دواليب الأحزاب وهم المتحكمون في مسارات إنتاج النخب. شيوخ يتربعون على رأس أحزاب شاخت في طرحها وسياستها دون أن ينتخبهم أحد. إن تجديد النخب الحزبية وتطهيرها من الفاسدين والمفسدين يتطلب تطهير الأحزاب السياسية وتغيير أدواتها وبنياتها، فلابد من ثورة جذرية داخل الأحزاب السياسية تقلب التنظيم رأسا عن عقب لأن بقاءها على حالها يعني بقاء البنية الفاسدة التي تأسست تاريخيا، وتغيير القيادات هو نوع من الضربة الموجهة للنخب الفاسدة التي تحتمي بالقيادات والتي تمنحها التزكيات مع علمها المسبق بأنها فاسدة. لن يجدي تقرير المجلس الأعلى للحسابات نفعا ولن تفيد أدوات الرقابة إن لم تغير الأحزاب بنيتها وتتخلى عن المفسدين وإلا سيكون حجم الفساد أكبر بالنظر إلى الصلاحيات التي ستمنح للمنتخبين.