انتقى إبراهيم غالي، رئيس ما يدعى ب"الجمهورية الصحراوية" الوهمية، الوقت المناسب لتحضير رسالته فما إن بقيت أسابيع قليلة قبل صدور تقرير الأمين العام حول الصحراء، حتى وجه رسالة إلى هذا الأخير ينتقد فيها ما أسماه "السياسات القمعية والتصعيدية والاستفزازية التي تنتهجها المملكة"، وفق ما ذكر. ولا تعد هذه المرة الأولى التي تراهن فيها الجبهة الإنفصالية على اختيارها لتوقيت الحاسم، لتوجه فيه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أو إصدار تنديد أو غيرها؛ وهذا ما يمكن إدراجه في إطار ما يصفه الباحثون ب"إستراتيجية الضغط" على مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة. عزم أحمد نور الدين، الباحث في ملف الصحراء، على التوضيح بأن من يتحرك في هذا الإطار هي الجزائر باعتبارها خصم المملكة الأول وليست جبهة البوليساريو، قائلا: "نحن نقع في فخ الجزائر والبوليساريو حينما نجعل القضية أن المشكلة هي بيننا وبين انفصاليي البوليساريو؛ لأن الجزائر تعد هي خصم المغرب، وهي التي لا تدخر جهداً دبلوماسياً وعسكرياً وإعلامياً من أجل فصل أقاليمنا الجنوبية". وشدد نور الدين، في تصريح له، أن "الجزائر تريد اليوم من هذه الرسالة أن يكون لها وقع على تقرير الأمين العام وقرار مجلس الأمن"، مفيدا بأن لها خطة تنهجها دائما وتدرس في الجامعات عنوانها البارز "إستراتيجية الضغط" على مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة. ويفسر المختص في قضايا الصحراء بعضا من تداعيات الرسالة، قائلا إن "تقرير أبريل سيكون أول تقرير للأمين العام الجديد القادم من منصب سام بالأممالمتحدة، إذ كان يشغل منصب المفوض السامي للاجئين، وكان من الداعين إلى إحصاء اللاجئين بمخيمات تندوف". وقام نور الدين بالتأكيد على أن "الجزائر تريد تحجيم هذا النزوع للسيد أنطونيو غوترييس، الأمين العام للأمم المتحدة، وجره إلى الأطروحة الانفصالية. وقد نجحت في ذلك مع بان كي مون، الذي قدم هدية إلى الجزائر في مارس 2016 بتصريحاته التي تتهم المغرب بالاحتلال؛ وهي سابقة في الأممالمتحدة، وبزيارته للمنطقة العازلة دون إذن من المغرب". ويلاحظ المختص في قضايا الصحراء أن الجزائر تقوم بالضغط بجميع الوسائل، وعلى محاور متعددة: مجلس الأمن، الاتحاد الأوربي والإفريقي، التضليل الإعلامي حول ملف حقوق الإنسان، المجتمع المدني في إسبانيا والدول الأوربية وخاصة الإسكندنافية، تمويل وتدريب انفصاليي الداخل في جامعة بومرداس الصيفية بالجزائر، وغيرها. أما فيما يتعلق بالهدف الكامن وراء هذا الضغط، فهو "جعل مجلس الأمن يستجيب لجزء مما تطالب به الجزائر وإدراجه، سنة بعد أخرى، في تقاريره حتى تصبح مرجعية في المفاوضات" حسب ما يؤكده الباحث، الذي يفيد بأن الأمر يعرف ب"نظرية القضم" أي "قضم التفاحة مرة بعد الأخرى حتى تنتهي". وذهب نور الدين إلى أن إستراتيجية الضغط بدأت بزيارة غالي للأمين العام للأمم المتحد أخيرا؛ وهي الزيارة التي لم تلق أي رد من لدن المغرب، قائلا إنه كان على المملكة أن تحتج برسالة مكتوبة أو أن يقوم وزير الخارجية بزيارة إلى نيويورك. ويسترسل المتحدث قائلا: "الاحتجاج بالتصريحات، كما يفعل المغرب، لا يدون في التقرير الأممي ولا يكون له أثر على القرار الأممي"، ويضيف: "الجزائر تتعامل باحترافية في هذا الإطار، إذ إن كل أعمالها تكون بمراسلة مجلس الأمن وتطلب رسميا بأن توزع رسائلها أو تقاريرها أو بياناتها كوثائق رسمية داخله؛ وهو ما يعني أن تلك الوثيقة ستدخل إلى الأبد في سجلات الأممالمتحدة، وتؤخذ بعين الاعتبار في قرارات مجلس الأمن وتقارير الأمين العام". عمل نور الدين على التأكيد على كون استمرار "سياسة الضغط" ينتج عنها سلسلة من التنازلات في القضية الوطنية، "وهي التي أوصلتنا اليوم إلى ما يجري بالكركرات، بالإضافة إلى ما حدث بإكديم ايزيك والبيان الصادر عن مجلس الأمن والسلم الإفريقي، ونتج عنها في اليومين الآخرين تصويت برلمانين أو ثلاثة من البرلمانات المحلية في إسبانيا لصالح الأطروحة الانفصالية والضغط على المغرب" يواصل المتحدث. ويفسر المختص في قضايا الصحراء بأن للرسالة هدفا ثانيا يكمن في الرغبة في تحريك انفصاليي الداخل للقيام بالشغب ومغالطة الرأي العام، مشيرا إلى أن هناك بروباغندا كبيرة حول ما حدث بإكديم إيزيك، "القتلى الأحد عشر في هذا الحادث هم من قوات الأمن المغربي، إلا أنه يتم مغالطة الرأي العام بأوروبا ويسوقون للحادث كأنما القتلى هم من الانفصاليين". وفي هذا الإطار، انتقد الباحث ذاته ما أسماه ب"ضعف شديد للدبلوماسية المغربية، التي لا تتواصل على المستوى الخارجي".