إلغاء زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في اللحظات الأخيرة دليل على أن عبد العزيز بوتفليقة يوجد في وضع صحي متدهور للغاية، ولم يعد سيد الميدان في الجزائر، حيث يستعر لهيب نار حول السلطة وسط المقربين منه، كما جاء في مقال نشرته مجلة "شبيغل" الألمانية يوم الثلاثاء الماضي على موقعها الإلكتروني.. اضطر مستخدمون في مدينة الجزائر العاصمة إلى العمل دون توقف يوم الاثنين، بداية بتزيين أعمدة الإنارة على طول الشارع الممتد من المطار إلى وسط المدينة بألوان رايات الجزائر وألمانيا..ساعات قليلة بعد ذلك وجدوا أنفسهم مضطرين للتراجع وإزالتها من جديد، بعد أن قرر في الدقائق الأخيرة مكتب الرئاسة الجزائري إلغاء زيارة مبرمجة لميركل بمبرر إصابة الرئيس بالتهاب حاد في الشعب الهوائية. هذه هي المرة الأولى التي تضطر فيها الجزائر إلى إلغاء زيارة رئيس حكومة دولة أجنبية هكذا في اللحظة الأخيرة، حال يوضح مدى تدهور الوضع الصحي للرئيس. الرجل البالغ من العمر 79 سنة يعاني من المرض منذ أكثر من عشر أعوام، وخضع منذ 2005 أكثر من مرة لاستشفاءات في مصحات فرنسية. تمة شائعات تروج حول إصابته بمرض سرطان، غير أن تأكيد هذا لم يحصل أبدا من قبل دوائر رسمية. في سنة 2003 أصيب بوتفليقة بجلطة، منذ ذلك الوقت وهو يجلس في كرسي متحرك ولا يظهر البتة في العلن. وزير الخارجية الأسبق "فالتر شتاين ماير" كان آخر الساسة الألمان الذين زاروا الجزائر في يناير 2015، والتقى حينها شخصيا الرئيس الجزائري. شتاين ماير بدا عليه تأثر كبير جراء الحديث مع الرئيس المريض، إذ خرج بانطباع أنه قد يكون اللقاء الأخير برئيس الدولة، كما قال وقتئذ الوزير الألماني.. احتجاجات بسبب ارتفاع الأسعار بوتفليقة يوجد منذ 1999 في قمة هرم الدولة. بعد الحرب الأهلية، التي حصدت سنوات التسعينيات مئات الآلاف من الضحايا، سنحت الفرصة للرئيس لكسب استقرار للجزائر، غير أن البلد يواجه اليوم على المستوى الاقتصادي مشاكل كبيرة.. الجزائر مرتهنة بصادراتها من النفط وتعاني بذلك من الانخفاض المتواتر لأسعار البترول. البلد قلص بشكل حاد من الميزانية، فقد أنفقت الدولة في 2015 حوالي 110 مليارات دولار، في حين أن الميزانية المرصودة لسنة 2017 لا تتعدى 63 مليار دولار. كما خفضت الحكومة أيضا منسوب الدعم ورفعت موازاة من حجم الضريبة على القيمة المضافة بحوالي 2 بالمئة. الفواكه، الخضر، السمك، التبغ والبنزين أصبحت أسعارها مرتفعة، ومن جراء هذا تعاني على وجه الخصوص الطبقات الشعبية الدنيا.. في بداية العام خرج إلى الشارع آلاف الجزائريين في أكثر من مدينة احتجاجا على ارتفاع الأسعار، وحدثت في كثير من الأمكنة اشتباكات عنيفة بين قوات حفظ الأمن والمحتجين. الحكومة ردت كما العادة، إذ وصف الوزير الأول عبد المالك سلال الاحتجاجات بأنها "مؤامرة خارجية"، ونعت المحتجين بالأقلية التي تحاول "زعزعة استقرار الجزائر".. من يحكم حقيقة في الجزائر؟ إلى أي مدى الجزائر مستقرة حقيقة؟.."السلطة" المكونة منذ استقلال الجزائر سنة 1962 من شبكة سائرة في التوسع، من الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطنية)، والجيش، وتحالف رجال الأعمال، تقود البلاد وتحتل مراكز القرار. والسؤال هو حول من يحكم فعليا في الجزائر في ظل مرض بوتفليقة الذي تعود له صلاحية الحسم في القرارات المهمة؟ لكن ذلك يبقى بمثابة لغز محير لدى ملاحظين في الداخل والخارج. وأيضا تعيين خلف للرئيس لم يحدث..الجزائر تشبه علبة سوداء.. أحد الوجوه القوية في النظام هو الجنرال قايد صلاح، الرجل الأعلى في هرم العسكر، والذي يعتبر منذ سنوات طويلة من رجالات الثقة بالنسبة لرئيس الدولة، ويمثله عند زيارات في الخارج..يوم الاثنين الأخير فقط التقى صلاح بأمير دبي. الرجل البالغ من العمر 77 عاما، والذي ينتمي إلى جيل بوتفليقة، في سن السابعة عشرة من العمر انظم إلى جبهة مواجهة الاستعمار الفرنسي، ومنذ ذلك الوقت وهو يترقى دائما وباستمرار في سلم مراتب الدولة الجديدة.. هو من دائرة العسكر الذي واجهت بقبضة من حديد الثوار الإسلاميين في سنوات التسعينيات. صلاح له أيضا أجندته السياسية الخاصة به موازاة مع مهمة الاستقرار، ففي ظل الوضع الهش في دول الجوار ليبيا، النيجر ومالي، والأحداث الجزائرية العنيفة في الآونة الأخيرة، يبقى الاستقرار بمثابة برنامج سياسي كاف بالنسبة لكثير من الجزائريين.. لا أحد له مصلحة في أن يسقط البلد ب 40 مليون نسمة في صراع دموي حول السلطة، أو أن ينجر إلى أوضاع شبيهة بحرب أهلية. صراع حول السلطة من وراء الكواليس توهج أكبر يحوزه على مسافة سعيد بوتفليقة، أخ الرئيس الذي يصغره ب20 سنة، فهو من يقرر منذ سنوات في من يسمح له بمقابلة الرئيس العجوز.. سلطته لاحت في أكثر من مناسبة، ومنها في سنة 2013 حين كان رئيس الدولة لمدة شهور عدة في رحلة استشفاء بباريس. وقتها ترك سعيد بوتفليقة الوزير الأول سلال ينتظر مدة 46 يوما من أجل أن يحظى بمقابلة أخيه.. حول أخ الرئيس تحوم كثير من الاتهامات بالفساد، بيد أنه لا تجري متابعتها من طرف القضاء الجزائري.. سعيد بوتفليقة وصلاح يبدو أنهما يخوضان صراعا حول السلطة من وراء الكواليس. محيط الجنرال ينشر أقاويل بأن أخ الرئيس مصاب بمرض خطير، بل أيضا بأنه "مثلي". الجهة المقابلة تحذر من أن صلاح يهيئ لأفق "انقلاب ناعم" على شاكلة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.. في صراعات مماثلة حول السلطة وإلى اليوم كانت النهاية الجيدة دائما في صف العسكر، وليس من عبث في تداول مقولة جزائرية معروفة تقول: " في الجزائر ليس البلد من يملك الجيش، بل الجيش يملك البلد" * إعلامي ومترجم