من جديد، تعود الهجرة غير الشرعية باتجاه أوروبا عبر القوارب لتصنع الحدث مجدداً في الجزائر، لاسيما بعد سلسلة عمليات أحبطتها قوات خفر السواحل، خلال الشهور الأخيرة، التي شهدت اعتراض عشرات القوارب في عرض البحر، وعلى متنها مهاجرون سوريون بصدد بلوغ الضفة الجنوبية لأوروبا. تنشر وزارة الدفاع الجزائرية بشكل دوري في الآونة الأخيرة، وبشكل لافت، بيانات عبر موقعها الرسمي على الانترنت، تتعلّق بعمليات "الهجرة السرية" (غير الشرعية) بالقوارب نحو أوروبا، التي تم إحباطها في عرض البحر، كان أكبرها على الإطلاق اعتراض خفر السواحل (تابعة لوزارة الدفاع) ثلاثة قوارب بسواحل محافظة وهران (450 كلم غرب الجزائر العاصمة)، في بداية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وعلى متنها 44 مهاجراً غير شرعي، بحسب بيان الوزارة.
وكشف تقرير نشرته الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (غير حكومية)، أنّ مدينة عنابة (600 كلم شرق الجزائر) لوحدها، شهدت سواحلها إحباط ثلاث محاولات للهجرة غير الشرعية، نفذها 39 شخصاً بينهم ثلاثة قصر في يوم واحد، منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وأظهر التقرير توقيف أكثر من 350 شخصاً بصدد الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا منذ يناير/كانون الثاني 2015 في منطقة عنابة وحدها.
وقال أحمد زوقاري، الصحفي بمحافظة عنابة (شرق)، للأناضول "إن الأرقام التي أعلنت حول عدد الأشخاص الذين منعوا من الإبحار نحو أوروبا لا يعكس حجم الظاهرة لوجود قوارب أخرى أفلتت من رقابة خفر السواحل".
وعن أسباب عودة الظاهرة خلال الشهور الأخيرة، يقول زوقاري "منذ عام 2012 شهدت محاولات الهجرة تراجعاً ملموساً، لكن خلال الشهور الماضية لوحظ وجود عودة قوية للظاهرة، وهناك عدة أسباب لذلك".
وتابع "خلال السنوات الماضية، قامت الدولة بفتح مناصب شغل مؤقتة في الإدارات العمومية، ودعم مالي لمشاريع إنشاء مؤسسات مصغرة للشباب العاطل عن العمل وهو ما ساهم في إحجامهم عن الهجرة".
وأضاف "إن دعم هذه المشاريع تراجع بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد، لتراجع أسعار النفط فضلاً عن أن عقود العمل المؤقتة لآلاف الشباب انتهت، وعادوا مجدداً إلى قائمة العاطلين عن العمل، وبالتالي أصبحوا مرشحين للهجرة".
وقال هواري قدور المكلف بملف الهجرة السرية بالرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، إن "ظاهرة الهجرة السرية عبر القوارب نحو أوروبا، شهدت ارتفاعاً في الآونة الأخيرة بالجزائر".
وكانت أخبار الهجرة السرية عبر "قوارب الموت"، كما يسميها كثير من المتابعين لهذا الملف في الجزائر، بسبب ما خلفته من مآسٍ في عرض البحر، قد انقطعت في السنوات الأخيرة، إلا أنّها عادت بشكل مثير خلال الشهور الماضية.
وعن الأسباب الكامنة وراء الظاهرة، ذكر ذات المسؤول الحقوقي، أنّها ترجع بالأساس إلى حالة اليأس التي تعتري كثيراً من الشباب الجزائري، الذي أنهكه الفقر وانعدام فرص العمل، ليجد في أوروبا الملاذ الوحيد لتحقيق "أحلامه الضّائعة".
هذا الطرح ذهب إليه أستاذ علم الاجتماع بجامعة مستغانم (400 كلم غرب الجزائر)، توفيق مالك شليح، إن "المشاكل الاجتماعية على غرار تقلًّص فرص العمل وأزمة السّكن التي يتخبط فيها كثير من الشباب الجزائري، هي السبب الرئيس وراء لجوء بعضهم إلى خوض مغامرة بحرية لبلوغ أوروبا".
وتبلغ نسبة البطالة في الجزائر 10%، حسب السلطات الرسمية، و30% في أوساط الشباب.
وأشار شليح إلى نقطة أخرى، وهي التسهيلات التي وضعتها دول أوروبية فتحت حدودها أمام اللاجئين كألمانيا، بتوفير مناصب عمل لهم، وهو ما "أغرى" كثيراً من الشباب الجزائري، "الذين أقلعوا عبر القوارب لتحقيق أحلامهم في الضفة الأخرى" على حدّ قوله.
ولفت أستاذ علم الاجتماع أن الجزائر سن عام 2009 قانونا يجرّم الهجرة بطريقة غير شرعية من البلاد نحو الخارج، وأقرّ عقوبة 6 أشهر حبساً، ضد كل من يغادربهذه الطريقة، إلا أنّ ذلك لم يردع المغامرين من بلوغ أوروبا عبر القوارب.
وتشهد الجزائر وجود أكثر من 50 ألف مهاجر غير شرعي، لم ينجحوا في السفر بحراً إلى أوروبا، بطرق غير شرعية، ليبقوا فيها، الأمر الذي وضع السلطات الجزائرية أمام مشاكل صحية واجتماعية، وعجزها في الوقت الحالي عن ترحيل العدد الضخم من المهاجرين، بسبب قرار سابق بغلق المعابر البرية الحدودية جنوبي البلاد.