مرت علي لحظات صعبة وأحسست بالمرارة وأنا أشاهد شريط الفيديو القصير الذي يظهر أطفال مغاربة يتوسلون سائحة بمنحهم بعض الدراهم .. وزاد إحساسي بالمرارة والأسى جراء القهقهة والضحك الذي أبدته السائحة .. لكن سالت نفسي أليس هذا ما يحدث في كل مدن المغرب وقراه .. ؟ أليس هذا الفقر الكافر بقادر على أن يحول أطفال الشعب المغربي إلى فريسة سهلة لكل أشكال الإستغلال والإبتزاز وأحيانا التصوير والنشر لمواد خلاعية يكون فيها البطل الضحية إبن المغرب أو إبنته. صحيح أن ما قدمته السائحة في شريط الفيديو لا علاقة له بأي إخلال بالحياء .. لكن شريطها مناسبة جد هامة يجب أن تستوقفنا كمغاربة نحب ونعتز بوطننا .. لنقف ونتأمل في البضاعة التي نقدمها للأجنبي .. لأنك عندما تشرع أبواب وطنك للسياحة فأنت ملزم بإحترام المعاهدات والمواثيق التي تنظم أسلوب تعاطيك مع المواطنين الأجانب فوق أرضك كما أنهم ملزمون بترابية القوانين .. وبضرورة إحترام الوطن المضيف. لكن إلتزامك الأخر المبطن هو مع شعبك الذي سيلعب أهم دور في تقدم أو تأخر معادلتك الإقتصادية السياحية. و هنا مكمن الخلل .. إنك لا تملك القدرة على التحكم في أسلوب تعاطي شعبك مع الأجنبي . إذا كان شعبك فقيرا ومعوزا. قد يجد البعض هذا الموضوع مناسبة للتعاطي السياسي وتلبيس المسؤولية للغير أو الخصم السياسي لكنني أؤكد لكم أن إشكالية الفقر في بلدنا نمت وترعرعت على مدى عقود وعقود من الزمن. ولا علاقة لها بمسرحية السياسة والإنتخابات .. والتقطيع الإنتخابي الشهير .. أو المقص الديموقراطي كما يحلو لي أن ألقبه. قيل لي في إحدى جلساتي مع أحد الوزراء المغاربة السابقين أنهم عندما ذهبوا عند الملك محمد السادس في بداية عهده بالحكم وطلبوا منه أن يعمل المغرب على تنشيط دبلوماسية المؤتمرات كما كان عليه العهد أيام والده رحمه الله قال لهم : وما هي الفائدة من أن ننقل للعالم صورة مغرب عصري ورائد في تنظيم المؤتمرات والندوات الصحفية بينما سيعاين زوارنا الفقر والبؤس ويصطدمون بالمتسولين عند الإشاراة المرورية. وتأكد لي مع مر السنين أن الفكرة كانت في بداية الألفية الثالثة أن يبدأ المغرب في تنفيد مقاربة تنموية شاملة لا تقتصر على إقليم دون آخر أو مدينة دون أخرى .. كنت أعتقد أن المقاربة الشامل كان ويجب بل ومن المفروض أن توزع الجهد والمال على كل أرجاء الوطن وبالتساوي .. وإلا فما معنى أن يكون لدينا القطار الفائق السرعة وبجانبه عمارات بنيت على شكل صناديق إسمنية تدخل الكآبة على الناظرين .. ؟ ما معنى أن يكون لدينا أحد أهم وأكبر الموانئ بحوض البحر الأبيض المتوسط ولديك شعب مصنف ضمن لا ئحة أفقر الشعوب العربية .. ؟ إنها وضعية إجتماعية المسؤولية فيها شاملة ومعالجتها يجب أن تكون شاملة متكاملة. الفيديو القصير الذي يظهر أطفال بلدي يتسولون هو ناقوس خطر وعلامة إنذار لما قد تؤول إليه الأمور في بلادنا .. فالنظام اللبرالي والسوق المفتوح لا يعني بالضرورة العدل الإجتماعي. فأنا اعاين يوميا في شوارع وأزقة واشنطن مئات المشردين وهذه أمريكا التي تتصدر العالم الحر. فمادمنا قد إخترنا هذا النموذج الإقتصادي .. وما دام المغاربة والحمد لله من اكثر شعوب العالم إستعدادا للتعايش مع الفقر مهما كانت قساوته فأملي ألا نكون قد اخترنا المثال الرأسمالي البرازيلي .. حيث تناطح نطحات السحاب الأكواخ وتشق القطارات أحياء الفقر و البؤس والجريمة. فلماذا نستحيي إذن من رؤية شريط يظهر أطفالنا وهم يتسولون والأجنية تضحك .. ؟ ألسنا نعيش في مغرب لا يعترف بالمساواة الإجتماعية .. بلدنا بات يعيش بشع حالات الإستبداد الإقتصادي العالمي وأصبح هذا الأمر يشغل بال الكثير من الزوار والمستثمرين. إقتصاد تسيطر عليه بضع شركات أو مجموعة شركات بينما لا تتفرع سلسلة المنافع على كافة الشعب الذي يتحول أوتوماتيكيا إلى يد عاملة أو طاقة تشغيلية ليس إلا وبأسعار السوق المحلية .. صورة تكاد تشبه الجنون أن تنمي قطاع الإستثمار الأجنبي في بلدك ولا تضع و تسن قوانين كافية تضمن العيش الكريم لشعبك .. فقبل الفقر هناك الثروات .. و يتبعها سؤال إقتسام الثروات .. !! أين تذهب أموال المعادن ومحاصيل الصيد في أعالي البحار ومقالع الرمال والأحجار أين تذهب أموال الإعلانات واللوحات الإشهارية.. هل تدخل ضمن لعبة عمتى الغولة الرأسمالية ؟ أم أن للمواطن حق في ثروات بلده ما تقدم منها وما تأخر ( الحساب فراسكوم ). هؤلاء الأطفال لا يطلبون أجهزة الآي فون ولا السامسونغ بل مجرد سنتيمات لشراء بعض من ضرورات الحياة .. ومازلنا في وطن يدعي بلطجيته بأنه بلد أكبر كسكس وسروال وطايب وهاري . وما زلنا أمام طبقة تغتني غنى فاحشا بأساليب قانونية ومشروعة لا يعلمها بقية أفراد الشعب . ولا تصله أصداءها . وهو ( الشعب ) فيها مثل ذلك الحمل الوديع الساكن المستكين , المتسابق على لقمة العيش والمتصارع من أجل البقاء والساهر من الأرق بسبب هموم فواتير قرض السكن والثلاجة و و و . نعم ما الفائدة أن يكون بلدك قبلة لكبار الشخصيات والمؤتمرين من كافة أرجاء العالم .. إذا كان شعبك لا زال يعيش تحت رحمة الأمية والحاجة لأبسط ضروريات الحياة الكريمة. فليس كل المغرب حي السويسي .. ومادام الأمر كذلك فعدست السائح تلتقط ما تريد. ونزوات الزائر ستلبى حتما وفق قانون العرض والطلب .. والمقياس واحد .. هو هذا الفقر الكافر. فلكي لا يمد أطفالنا يدهم للسواح .. ولكي لا يستغل السواح براءة أطفالنا .. يجب أن نعيد النظر في أسلوب تعايش شعبي المغرب الشقيقين شعب المغرب الغني وشعب المغرب الفقير. ولا بأس أن نصحح المعادلة قليلا قبل فوات الأوان. قدموا للشعب مشروع سياسة برغماتية لمحرابة الفقر وتأسيس المساواة الإجتماعية .. ونفذوا أحكام القانون في دولة يسودها العدل ولا تعلو فوقه كلمة.. قدموا للمواطن مشروع دولة تعيش بما لديها ولا تقترض حتى النخاع لكي تساير حركة الإقتصاد العالمي .. أولم تكن سياسة السدود مشروع مغرب مكتفي غذائيا .. ؟ قدموا له ذلك و ساعتها لن تجد كاميرات السواح ما تصوره من سوءات