بعدما أقدم شاب تونسي يبلغ من العمر24 سنة 38 سائحا أجنبيا في مدينة سوسة يوم26/6/2015 نطرح السؤال التالي: إلى أين تتجه تونس؟ من البديهي أن تكون هذه الحادثة موضوع إدانة واستنكار من طرف كل الضمائر الحية، وفي نفس الوقت لابد أن تكون عبرة ومصدر حكمة ودراسة سياسية، وخاصة لدى سكان شمال افريقيا الذين يعنيهم الأمر أكثر من غيرهم، لأن الحدث واقع ملموس يتطلب الدراسة الموضوعية وليس فقط التعبير عن الأسف والبكاء، فالشاب الذي قتل38 إنسانا والذي قيل إنه يسمى سيف الدين الرزقي الملئ بذالك المستوى من التضحية بنفسه والشجاعة فقده شباب تونس ، وأظهر أن سياسة حكام بلده غير مقنعة له، وغير مريحة ليعيش فيها حياته وسعادته، والانتحاريون في الغالب غير سعداء في الحياة كما يبدو من الحدث، ذلك أن الشاب اقتنع أن يموت ويقتل معه فريقا من السياح، ويذكر الرزقي كل من لا ينسى بالشاب محمد البوعزيزي الذي سبقه بإحراق نفسه في4 يناير سنة2011 وأحرق معه رئاسة زين العابدين بنعلي، كان من النادر قبل سنة 2011 أن تقع مثل تلك الهجمات عل متحف باردو(18/3/2015) ومسبح فندق امبريال مرحبا هذا الفندق الكبير الذي لم تذكر وسائل الإعلام اسم من يملكه! والوضع السياسي حاليا في شمال إفريقيا يحتاج الى حلول سياسية وإيديولوجية وعقائدية تتجاوز ما تذهب اليه العناصر الحاكمة التي تعتمد الحلول العسكرية والبوليسية (تجنيد ألف شرطي لحراسة المناطق السياحية بتونس) والانتخابات المفبركة، وتغييرات القوانين وخاصة الدساتير(كان المقرر العام للجنة الدستور بتونس حبيب خيضر وهو من المتشددين في حزب النهضة الإسلامي) ،وقوانين العقوبات التي استحدثت قوانين الإرهاب (كانت مناقشة قانون الإرهاب بتونس هي مناسبة الهجوم على متحف باردو، والهم الكبير للإسلاميين في الحكم بالمغرب هو تغيير القانون الجنائي المغربي )ولا تكفي أيضا سياسة ترويج ما يسميه الحكام بالإسلام المعتدل.. يظهر أن تونس تتجه الى مسلسل يتزايد معه عدد القتلى من أصناف متعددة من شكري بلعيد(6فبراير 2013) ماركسي لينيني قومي عربي الى محمد براهمي (25/7/2013) قومي عربي من أتباع الناصرية المصرية، أحمد الرويسي ممثل تنظيم الدولة الإسلامية (قيل إنه قتل في مارس2015) داخل ليبيا، صبور خشناوي، وياسين عابدي مرتكبا الهجوم على متحف باردو، خرجت تونس من حرب جبال الشعانبي سنة2012 بالقتلى والجرحى(14جنديا تونسيا في معركة واحدة) والمسجونين الكثيرين، وكل ما يحدث من شرور ينسبها أصحاب الفهم السطحي المغرض الى أراضي ليبيا، لكي تتهيأ الأجواء القادمة للحرب بين ليبيا وتونس كما وقع مع حكم عسكر مصر.. ويطرح سؤال هل تتقدم تونس بعد سنة 2011 أمم تتارجع؟ وبنعلي مختبئ في السعودية ولا تستطيع الحكومة التونسية المطالبة بتسليمه للعدالة التونسية أو الدولية، وهي بلد لا يوجد فيه أي قانون للجوء السياسي، والصراع القديم بين حزب بورقيبة والإسلاميين هو شر قديم أصله ليس من ليبيا، ولكنه من جزيرة العرب وبلاد الشام، قامت الزوبعة الدينية المستمرة حتى الآن لدى شيوخ الإسلام بتونس عندما أقدم حزب بورقيبة وتلامذته الحاكمين بعده على إغلاق مسجد ومدرسة الزيتونة(1961-1988 ...) وهي معقل الفكر السلفي في شمال افريقيا وواسطة نقل ما سمي بالنهضة الدينية للوهابيين من الشرق الأوسط والخليج إلى شمال أفريقيا، والاستمرار أدى حاليا إلى إغلاق ممثل سلطة بورقيبة الحالية باجي قايد السبسي لثمانين مسجدا اتهمهم بالتكوين على الإرهاب الديني خلال شهر يونيو سنة2015. تجري في تونس محاكمات لا تنتهي، ولم تستطع تطبيق أي قانون على حزب بورقيبة بل دخل أصحابه وخدامه في مرحلة تجديد سلطتهم.ولا تستطيع ذلك مادام حزب الشيخ عبد العزيز الثعالبي (الحزب الحر الدستوري تأسس مع تأسيس حزب الاستقلال في المغرب سنة1944) هو الأم الأصلية لحزب النهضة الذي يسيطر على إسلام تونس ويفتح شهية كل الحركات الأصولية السياسية باسم الإسلام لتطمع في حصتها من كعكعة الدين. من كان يظن أويسمع أن ثورة تونس سنة 2011 هي ثورة الشباب، سوف يصطدم مع واقع مرير إذا قرأ سيرة باجي قايد السبسي(ولد في29/11/1926)وهو أكبر سنا من عبد العزيز بوتفليقة حاكم الجزائر ب11سنة (ولد بوتفليقة2/3/1937) ليجد السبسي تلميذا وخادما لبورقيبة الذي لم يعتزل الحكم بعد الشيخوخة والمرض العقلي الذي أصابه إلا بشهادة طبية تثبت العجز، وهو وريث حكم زين العابدين بنعلي وأستاذه الذي هو أصغر منه ب10سنين (ولد بنعلي سنة 1936). ومن كان يظن أو يسمع أن استقلال تونس عن فرنسا في20 مارس سنة 1956 سيؤدي إلى ديكتاتورية بورقيبة وتلميذه بنعلي استمرت 55 سنة(1956-2011) لتسلم الحكم الى شيخ اشتغل مع بورقيبة ومع بنعلي وقبلها إلى يساري قومي عربي هومنصف المرزوقي الذي يحلم في رحلة بحريةCroisiere مريحة أن يفك الحصار عن غزة عندما وقعت مذبحة الفندق. إذا بحثنا عن الأمثلة التي راجت في الكتلة الشيوعية بعد سقوط أنظمتها بروسيا ويوغوسلافيا وألبانيا ودول بحر البلطيق وألمانيا الشرقية سابقا وغيرها، سوف نجد أهم نتائج البيريسترويكا Perestroïka التي هي ربيع التغيير في تلك البلدان نجدها كسرت تماثيل لينين وستالين وكل أصنام الشيوعية الحاكمة، وفي إسبانيا والبرتغال زالت معالم الديكتاتور فرانكوFranco وفي البرتغال أيضا زالت معالم سالا زارSalazar، وفي إيطاليا زالت معالم مسو لينيMussolini في حين أن بورقيبة لم يسقط من شوارع تونس ومطاراتها وكتب التعليم ولازال هوا لأب الروحي لتونس الإرهاب حتى بعد سنة2011. وحزب النهضة هو استمرار لغزو إفريقيا من طرف حسان ابن النعمان الذي قتله الأمازيغ وابن الحبحاب وعقبة بن نافع (المقتول أيضا) وغيرهم والحل إذن يبدأ من معرفة أصول التنظيمات السياسية والدينية والنقابية، فأتباع داعش كأنهم لا يعرفون إنها من العراق والشام وهي بلد البغدادي له أن يفعل فيه ما يشاء، أهله من الأشوريين والكلدان والسريان وبني إسرائيل والعرب..،وليس بلدا تونسيا ولا أفريقيا، وأتباع القاعدة كأنهم لا يعرفون أنها منظمة حجازية ويمنية (المملكة السعودية) أدرى بشؤون جزيرة العرب، واليسار التونسي هو يسار تتوزعه الناصرية المصرية والقومية البعثية، ومنظمة حماس وحزب الله اللبناني، فليس هناك في الحقيقة سوى سياسات أجنبية لاشئ نشأ في تونس غير الصراعات الدموية التي نقلت إليها من الخارج، وكان السلفيون يسمون حزب بورقيبة "حزب فرنسا" ويسميهم حزب الأفغان وحزب الأتراك....فمتى سيرى التونسيون حزبهم الذي لا يتقاتل من أجل الشرق الأوسط والغرب؟! كان لا بد من وضع هذا المقال قصد إثارة الإشكاليات الجوهرية لما يجري في شمال أفريقيا ومصر، وطرح تساؤلات حول ما تهدف إليه سياسة روسيا في الجزائر وهي تتزعم الحرب ضد ما يسمى ب "الربيع العربي"، ألا تنوي أن تجعلها سوريا جديدة في شمال أفريقيا كما توضحه تحذيرات وزير خارجيتها سيركي لا فروف أثناء زيارته لتونس في مارس2014؟ وهناك تساؤل آخر حول من يملك فند ق مرحبا امبريال هل هو تونسي؟ واستهداف القتل لأكبر عدد من البريطانيين حوالي30 ،لا بد أن من دبر المذبحة يستهدف الانجليز ويعرفهم موجودين في الفندق لحسابات سياسية غير تونسية؟ وقد تكون المذبحة مقدمة لإغلاق الجزائر لحدودها مع تونس كما فعلت مع المغرب قصد تكملة خطة استعمارية تتركز حول إغلاق الحدود بين شعوب المنطقة لكي تتسول العيش بيد دول الخليج، ولكي ترتبط بالشرق الأوسط بدل الاعتماد على محيطها الجهوي والإفريقي.