تأتي هذه المقالة بمناسبة الهجوم المسلح والخطير على متحف باردو بتونس يوم18مارس2015 والذي تصادف مع موعد خسوف الشمس(ينذر بخسوف سياسي)، وبداية فصل الربيع (ينذر بربيع سياسي آخر في شمال افريقيا)، وذلك لأن ثورات مصر وليبيا ومالي وما جاورهما من الدول الإفريقية بدأت من تونس، مما يؤكد أن ما يجري في هذا البلد قابل للانتشار في البلدان المجاورة حسب التجارب التاريخية (مثلا تجربة انتشار حكم وعقائد الرومان والفينيقيين والعرب لشمال أفريقيا والأندلس انطلاقا من قرطاج والقيروان) وهو إنذار ملموس إلى كل من يرى ويسمع...ويتطلب من المغاربة قراءة تاريخ تونس ومعرفة سياسة حكامها الحاليين ومقارنتها بما يجري في المغرب وما سيأتي إليه بعد حين، وخاصة أن أول حزب إسلامي في شمال إفريقيا هو حركة النهضة في تونس ثم عمت الحزبية الدينية بقية أقطار شمال افريقيا والساحل ..وتونس عبر التاريخ هي مركز الصراع الدموي بين إسلام السنة الذي تعتبر السعودية قمته الفعلية، وإسلام الإباضية الذي يقوده أمازيغ ليبيا وتونس اليوم .. ونبدأ بتكريس نظرية سياسية وأمنية مفادها أن العنف المصنف كإرهاب هو نوع من السياسة، مهما سمي هذا العنف في اللغات المختلفة بالإرهاب أو الحرب ..وهو نوعان متناقضان:عنف الحكام، وعنف المحكومين، فأينما ظهر عنف المواطنين في هذه الدنيا ضد سياسة بلدانهم سواء كانت السياسة تتعلق بالدين أو بالاقتصاد أو العدالة أو نوعية نظام الحكم من ملكية أو جمهورية أو غيرهما، فالقاعدة الذهبية التي يجب أن يدركها الناس هي فشل السياسة في ذلك البلد، ونقصد في الوقت الحاضر سياسة الدولة والأحزاب والنقابات العمالية، وهي وسائل تنظيم ممارسة السياسة الحديثة، لأن عنف الدولة مثلا في بعض البلدان ذات المذهب الديني الوحيد أو المذهب الإيديولوجي أو الحاكم الفردي الذي يستعمل عنف السلطة ضد المذاهب الأخرى أوالأديان الأخرى لن يستطيع أحد حصاره وفرض نقيضه إلا بعنف الشعب، والعنف في حد ذاته مكروه أشد أنواع الكراهية لأنه يصل بالناس الى الموت والإبادة والرعب والخراب، ولكنه في جميع الأحوال لايخرج عن طبيعته السياسية والاقتصادية، فعندما يهدد عنف الحكام حياة الناس وحرياتهم وتشل السياسة وتمنع التنظيمات السياسية والحزبية والنقابية التي تناهض عنف الحكام، وتخالف سياستهم ومذاهبهم ومصالحهم، يظهر الانتحاريون، والمنشقون، والجهاديون، والعصابات، والانفصاليون، والمتمردون، وكل المؤمنين بسياسة عنف الشعب بمختلف أصنافهم كقوى مضادة، والفهم المهم يبدأ من تصنيف الإرهاب كسياسة، وليس فقط شأنا أمنيا، لكي لا تضيع الحقيقة كما يريد لها البعض الذين يصفونه أحيانا بالحمق، والتكفير، أو التطرف، والأصولية، والانتحار، أو مجرد جريمة عابرة للبلدان وغير ذلك.. ومن علامات فشل السياسة أن يتسابق حكام دول العالم المتخلف إلى تقييد دولهم في لائحة مفتوحة عبر العالم تسمى لائحة البلدان التي تنخرط في سلك محاربة الإرهاب، ويقصدون محاربة نوع واحد هو عنف الشعوب، دون محاربة عنف الحكام، وأن يتسابق هؤلاء في تكثير الجيوش والشرطة وشراء الأسلحة من مصانع الدول المتقدمة والغنية وبناء السجون. ومن علامات فشل السياسة في المغرب أن يصبح موضوع الهجوم على متحف تونس مناسبة تعلن فيها الصحافة عن اجتماعات لأجهزة الأمن بالمغرب (تضمنتها جميع صحف الجمعة20مارس2015) ولم تعلن عن اجتماع أي حزب سياسي ولا نقابة عمالية حول الموضوع، ولاعن وقفة احتجاجية ولا مسيرة تضامنية ولاحتى عن اجتماع عاجل لمجلس الحكومة، كان من الضروري أن نضع هذه التوضيحات الأولية لنتحدث عن سياسة هجوم تونس الذي لايكفي في شأنه مايستعمله البعض من تقديم التعازي، والتعبير عن التضامن اللفظي والمواساة مع الشعب التونسي، وتعبئة أجهزة الأمن كحل لمواجهة مشكلة سياسية، ولا تكفي فيه التصريحات بإدانة ما وقع من هجوم، رغم كون هذه الأساليب أيضا مصنفة ضمن السياسة والدبلوماسية ويقتضي الانفعال العاطفي والنفاق السياسي استعمالها في انتظار أن يزداد فشل السياسة، وانتظار أن يكثر الإرهاب بنوعيه، بل الضروري الحقيقي هو الدخول في موضوع تحليل السياسة التونسية والمغربية والجزائرية والموريتانية والأزواضية (نسبة الى ازاواض)..ونقدها بمنهج علمي، ينصب على دراسة وضعية الأحزاب والنقابات العماليةالتونسية بعدثورة2011 ودراسة جهاز الحكم القائم حاليا من حيث الأشخاص الحاكمين، وذلك أيضا مع المقارنة مع جميع بلدان شمال افريقيا والساحل، ودول الخليج والشرق والأوسط، وليس من السهل في هذه البلدان تحديد من هو البادئ بالعنف والإرهاب ومن هو المؤمن والكافر(مثلا رسم سيفين على علم المملكة العربية السعودية ووضع جملة لااله الاالله في راية حزب البعث في العراق) هل الحكام أم المحكومون؟ ومتى بدأ العنف أوالارهاب في تونس وغيرها؟ (أليس مثلا منذ أيام عمرو بن العاص، وابن الحبحاب، وموسى ابن نصير، أو منذ سقوط نظام الحكم الشيوعي في الصومال، وإثيوبيا واليمن الجنوبي؟ أومنذ قيام الجمهورية الإسلامية في موريتانيا؟)... لاشك أن تونس كان فيها نظام حزبي يحصر عددها في ستة أحزاب لا غير، ونقابة عمالية واحدة إلى حين قيام ثورة 2011 ليرتفع عدد الأحزاب حاليا بطريقة الطبخ السريع الى حوالي 121 حزبا سياسيا، وعمر هذه الكثرة الحزبية لا يتجاوز أربع سنوات(2011-2015) وهو زمن قصير لا يكفي لنضج البنيات الحزبية القادرة على إيجاد السياسة الملائمة للحكم الديمقراطي، وهو السبب الموضوعي الذي نتج عنه صعود شخص هرم، وحزب(نداء تونس وهوCOCOTTE MINUTE أحد أقطاب الحكم الذي قامت ضده الثورة كرئيس لتونس (الباجي قايد السبسي هو مدير سابق لإدارة أمن جهاز بورقيبة، ومستشاره الأمني، ووزير داخليته، ووزير خارجيته، ووزير دفاعه ثم عين كرئيس لبرلمان حكم الكولونيل بنعلي وهو من عيار إدريس البصري بالمغرب، وقصدي مرباح في الجزائر، وموسى تراوري في مالي ومحمد عبد العزيز في موريتانيا..) وهو متمرس في كل أنواع أجهزة الحكم والمخابرات والدسائس السياسية وربط العلاقات السرية والعلنية مع الفرنسيين خلال سنوات الرصاص في تونس..وتونس معرضة لأن يحكمها القادمون من دول أوروبا بعد ثورة 2010(منصف المرزوقي،رشيد الغنوشي، باجي السبسي..) ويقنبلها القادمون من الشرق الأوسط: القاعدة، والدولة الإسلامية، وأنصار الشريعة ..). وحركة النهضة هي حزب سياسي نشأت نواة تنظيمه سنة1972بالموازاة مع زمن نشوء الشبيبة الإسلامية في الدارالبيضاء الأم التي ولدت حركة التوحيد والإصلاح وpjd في المغرب، تربى في صفوفه كثير من عناصر التنظيمات السرية السلفية وبالموازاة مع زمن ظهور الأنوية الأولية للجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر(عباس مدني،والنحناح، وعلي بالحاج..)،وانتشار البودشيشية ،وتنظيم جماعة العدل والإحسان في المغرب. و نشأ حزب حركة النهضة برئاسة رشيد الغنوشي الرئيس مدى الحياة للحزب، في ظروف التعدد الحزبي المحدود من طرف الأجهزة السرية بعد استيلاء الكولونيل بن علي حكم تونس بعد عزل بورقيبة بواسطة شهادة طبية مصنوعة لإثبات شيخوخته وعجزه(1987)،السبسي حاليا(وهو في سن بورقيبة) يريد تشريع قانون الإرهاب في برلمان تونس ،ويعرف أنه من الصعب تمريره بدون وجود هذا الإرهاب،(أثناء مناقشة البرلمان لهذا القانون وقع الهجوم المسلح ولم يتأكد تبني الهجوم من اي جهة إسلامية بمصادر موثوقة وكادت الفضيحة تنفجر لو لم تظهر معلومات تفيد تبني داعش للهجوم) ولكي يفهم المغاربة هذا الكلام فقد كان حكام المغرب يحاولون تمرير قانون الإرهاب في فترة حكومة التناوب(قانون وزير العدل محمد بوزوبع) ولم يحصلوا على مبررات وجود هذا القانون المستورد ،وكان من الضر وري أن يقع الهجوم على Casa de Españaيوم16ماي 2003ليفرض على المغاربة قانون مشئوم جديد ورثوه عن حكومة التناوب التوافقي، لم يعرفوه في تاريخهم قط يسمى "قانون الإرهاب "لاعلاقة له بمذهب الإمام مالك، ولا بالفقه الإسلامي المغربي ،ولا بالأعراف الشعبية ،ولا بصوفية الشيخ الجنيد (البغدادي)..وضرورة وجود هذا القانون رهن إشارة الحكام وأذيالهم في القضاء والرأسمالية الكبرى في تونس ودول شمال افريقيا والساحل تقتضيها رغبة الحكام والعسكر والأثرياء وأجهزة الأمن في الحصول على نصيبهم من الأموال التي تصرفها الدول الغنية والشركات الصناعية والأممالمتحدة على سياسة محاربة الإرهاب(بعدتفجير16ماي 2003عين مصطفى الساهل وزير الداخلية أثناء التفجير وتمرير قانون الإرهاب بالمغرب مندوبا للمغرب لدى الأممالمتحدة، وصعد نجم شكيب بنموسى في تولي وزارة الداخلية كسياسي ليس له كتاب ولا مقال منشور يوضح للمغاربة ماهي سياسته؟)،والكل يعلم مثلا أن صناع الأسلحة عبر العالم منفلتين من العقاب،ولو أمكن تطبيق نصوص القانون الجنائي التونسي والمغربي على صانعي السلاح لافتضحت سياسة الإرهاب واستراح الناس منه،علما بأن المغرب وتونس لاتوجد بها صناعة الأسلحة.ولتذكير من لايتذكر من المغاربة بأن أول بداية انطلاق حقيقي لسياسة الإرهاب بالمغرب في 16ماي 2003وفي ذلك الوقت بالذات انطلق فشل السياسة المتبعة في المغرب منذسنة1962،ويتطلب الفهم السياسي أن نعود الى تحليل تلك الظرفية الهامة لندرك أشياء وقع التمهيد لها سنة2003ومنها اقتسام السلطة بين القصر والإسلاميين(راجع ملف مجلةTELQUEL عدد214يوم25/2/2006)ومنها الصعود الانتخابي والإعلامي لمقاعد الاسلاميين المصطنعين في انتخابات 2007ومنها عودة التقنوقراطيين إلى الاستيلاء على السلطة واقتسامها مع الإسلاميين...وختاما فان المقال يفتح فقط باب معرفة الحدود الفاصلة بين عنف الحكام وعنف الشعوب لكي يتوقف هذا العنف بنوعيه ،وهو جوهر السياسة الناجحة وهو مجهود يخدم المظلومين جميعا ولا يتاجر بالسياسة.