مرّت 17 يوماً على "فاجعة طانطان"، المصاب الذي أفقد هذا البلد، وفي صبيحة جمعة واحدة، 34 روحا أغلبها أطفال ملائكة من هذه الأرض، والكارثة التي هزت أركان هذا الوطن المنكوب وحولته إلى مأتم شعبي دون حداد رسمي.. مرت الأيام بسرعةٍ ننتظر معها اللازم الوطني وأقله فتح تحقيق وظهور نتائجه للرأي العام، حتى نتبين وتتضح الأسباب وراء لهيب نار حيرت ألباب الساسة والعامة لدرجة أننا لا ندري من أين أتتْ وكيف التهمت في سرعة من البرق جلّ من في الحافلة!! طال التحقيق الذي رجوناه، ولم تظهر النتائج التي ننتظرها، لكننا لم ننسى؛ رغمَ أنّ قصة الحب الحكومية بين سمية والحبيب، وقضية الخارق الصمدي أو "الشيخ طار"، ولا حتى قضية غرفة نوم و"دش" الوزير عمارة داخل مكتبه استغفلتنا وغيرت اهتمامنا بمصير 34 روحاً قضت حرقا في رمشة عين ولا نشك أن الفاعل موجود ويتحسس رأسه، أو ربما يتحسسون رؤوسهم. "طز"، كما يردد الأشقاء المصريون، "طز وألف طز" في خطبة الشوباني وبنخلدون، و"أف" لقضية تافهة سياسيا تشغل بلدا منكوبا في فلذات كبده.. لقد وقعت الواقعة وفُتح تحقيق، و"طالت الأيام" دون أن نسمع نتائج أولية على الأقل، كما هو معمول به في الدول الديمقراطية التي تحترم مواطنيها.. بل سمعنا تحقيقات "جدية" انطلقت حول هل تزوج فعلا الحبيب بسمية وهل قبلت هي الطلب ولماذا صمت هو وتكلمت هي، ثم ما وراء "بيت نعاس" الوزير عمارة والدوش داخل مكتبه.. وهل نصدق مستقبلاً شخابيط شباط لأنه السياسي الوحيد، ما شاء الله، الذي تطوع وكشف لنا عن تلك الحقائق الضائعة!! مرت 17 يوما بلياليها، احترقت في بدايتها قلوب المغاربة وأكباد أسر الضحايا، كما احترقت الحافلة بأكملها والتهمت صبايا كان لنا ولأسرهم فيهم أمل كبير وإشراقة مستقبل واعد.. وعوض أن نسمع نتيجة من هنا أو هناك عن التحقيق الذي أمر به الجالس على العرش وباشرته حكومة القاطن في حي الليمون، نتفاجئ بحماس منقطع النظير في التسابق نحو الكشف عن حقيقة "الشيخ الخارق بسلامته" وهل طار فعلا من فاس إلى طنجة في 10 دقائق!! التحقيق الذي فتح بعد الفاجعة بأيّام لم ينكشف، والحكومة التي تباشره أخذت وقتا طويلا وتسير فيه بتثاقل سير سلحفاة تعيسة، تحقيق نخاف أن يحصل معه كما وقع مع التحقيق الذي فتح على إثر فيضانات الجنوب الأخيرة التي أخذت أرواح أزيد من 50 مغربيا دون أن يتحمل أحد مسؤوليته، لنفاجئ بحل لجنة تقصي الحقائق البرلمانية لصراعات داخل فرق المعارضة، دون مراعاة لأي مصلحة وطنية، بل إن الوفاء الذي كانت تنتظره عائلات الضحايا وجزاءها هو تقديم المصالح الحزبية عن كل شيء دونها.. لأننا وبكل أسف في مغرب تسمع فيه كثيرا من الوعود وترى فيه قليلا من الإنجازات.. من حق المغاربة معرفة الحقيقة ليتحمل المسؤول مسؤوليته ويقدم للعدالة والمحاسبة، ويأخذ المُهمِل والمتساهل والمتلاعب عقابه، لأن الواقع موتى قضوا بشكل فظيع ومثير، ونحن أمام حالة حرق وضحايا أطفال و"شاحنة مجهولة" وظروف سفر غامضة وطريق متهالكة وبنزين يهرب من الجنوب ليباع في الشمال.. من حق المغاربة أن يعرفوا هل "للشاحنة المجهولة" التي اصطدمت بحافلة نقل معروفة بجودتها صلة مباشرة بالحادث أم لا، وهل لقضية التهريب يد فيه، وهل قامت وزارة الشباب والرياضة بتأمين الأطفال الرياضيين وأطرهم ولماذا لم تفرد لهم رحلة سفر عبر الطائرة عوضا عن قطع مئات الكيلومترات المتعبة من بوزنيقة إلى طانطان ذهابا وإيابا، وهل احترمت حافلة النقل فترات الراحة القانونية لأخذ زاد من الراحة سائقا وركابا.. الحكومة متأخرة في تحقيقها والكلمة الوحيدة التي نطق بها رئيسها عبد الاله بنكيران جاءت بعد 6 أيام من الفاجعة حين أعلن الاستعداد لاستقالة جماعية إذا ثبت تورط أي من فريقه.. أما وزارة الداخلية فتكلمت مرة واحدة هي الأخرى حين نفت وهي تمارس سياسة "تخراج العين"، أن تكون "الشاحنة المجهولة" إياها محملة ببراميل من البنزين المهرب، دون أن تدري أنها تدخلت في نتائج تحقيق لم ينطلق بعد وقتها. إن هذا التأخر في الإعلان عن حقيقة "فاجعة طانطان" والتثاقل الذي لا يبشر بأي خير، يجعل المغاربة في حالة حيرة وانتظار غير محمود العواقب، لأن الذي فرط في قيمة أزيد من 50 مغربيا قضوا تحت الردم وغرقا في فيضانات الخريف الماضي، وقبلها بأشهر في انهيار عمارات حي بوركون بالدار البيضاء التي أودت بحياة أزيد من 23 مواطنا أغلبهم نساء.. وقبلهم بعامين في مقتل 42 شخصا في انقلاب حافلة تيشكا، قد يفرط بغفلة وقت في فاجعة لا تقل مصيبة عن سابقاتها. قديما قالت "الساندريلا" الراحلة سعاد حسني، وهي تغني في فيلمها الشهير "خلي بالك من زوزو" أغينتها "يا واد يا ثقيل"، حيث نادت هذا "الولد" حبيبها المنتظر الذي لم يفهم نداءها منتظرة منه ردة فعل ب"يا مْشَيّبْنِي"، لتُتبعه بنداءٍ ثان أكثر وضوحا "دانا بالي طويل.. بس بلاش تتعبني، عشان عمرك ما هتغلبني". أرى أن إرادة الوطن قد لا تنغلب هذه المرة، أرواح أطفال "فاجعة طانطان" ما تزال ترفرف بيننا، والقلوب قد بلغت الحناجر والحقيقة لا بد أن تظهر نتائجها، اليوم قبل الغد..