مباشرة بعد عودة طائراتها الحربية إلى قواعدها، إثر توجيهها لضربة في عمق التراب الليبي صباح يوم الاثنين 16 فبراير 2015، أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية بيانا أوضحت فيه أن هذه العملية تأتي كرد فعل لمقتل 21 من الأقباط المصريين ذبحا على أيدي مقاتلي داعش، مؤكدة أن هذه الضربة كانت مركزة، وقد نجحت في تحقيق كافة أهدافها ضد معسكرات تدريب الإرهابيين ومناطق تخزين أسلحتهم داخل الأراضي الليبية. لكن الصور والفيديوهات التي التقطها نشطاء من مدينة درنة الليبية، التي طالتها نيران الطائرات الحربية المصرية، أوضحت أن الضربات استهدفت حيا سكنيا، وهو ما خلف مقتل 3 أطفال وامرأتين ورجلين من المدنيين، وإصابة 17 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، الشيء الذي يجعل حصيلة القتلى مرشحة للارتفاع. إن هذا العدوان المصري على ليبيا، يطرح أكثر من علامة استفهام، حول مدى عقلانيته وأخذه بعين الاعتبار ليس فقط لسيادة ليبيا على أراضيها، ولكن أيضا لوجود ما يقارب المليون مواطن مصري للعمل على الأراضي الليبية وهو ما يجعلهم عرضة للانتقام، خصوصا وأن انتهاك الطائرات الحربية المصرية للسيادة الليبية لم ينتج عنه سوى قتل الأبرياء المدنيين الليبيين من الأطفال والنساء والشيوخ، دون تحقيق أي نجاح يذكر في إلحاق أية خسائر بالإرهابيين. نعم لقد كان مشهد ذبح الأقباط المصريين مروعا، لدرجة فاقت بشاعته كل الحدود، وتجاوزت همجيته كل تصور، لكن السؤال الذي لا يستطيع السيسي وأركان نظامه الجواب عليه، هو لماذا ترك أفراد شعبه يذهبون للعمل في ليبيا رغم علمه، وهو رئيس المخابرات المصرية السابق، بالمخاطر التي تحيق بهم هناك نتيجة تردي الوضع الأمني في ليبيا؟؟؟ ثم أين كان طيلة 45 يوما ظل فيه ال21 قبطيا مختطفين قبل ذبحهم ولماذا لم يبذل أي مجهود من أجل تحريرهم؟؟؟ ولماذا لم يقم بإنشاء جسر جوي لترحيل المصريين العاملين بليبيا حتى يتم تجنيبهم هذا المصير المشؤوم؟؟؟ لقد كان على مصر أن تأخذ من الوقت ما يكفي للتأكد من مكان ذبح مواطنيها والهوية الفعلية للإرهابيين، فمن العار أن تنساق دولة مثل مصر وراء لاعقلانية رد الفعل، وأن تستقي معطياتها من أشرطة الفيديوهات التي تبث على الأنترنت والتي يمكن فبركتها، دون بذل أي مجهود من مخابراتها في جمع المعلومات، كما كان عليها قبل توجيه أي ضربة جوية في العمق الليبي أن تنسق مع المؤتمر الوطني الليبي لأن أي مجهود لمكافحة الإرهاب في ليبيا لا بد وأن يتم تحت شرعية الدولة الليبية وبرضى وموافقة شعبها. هذا دون أن ننسى أن ليبيا عضوة في جامعة الدول العربية وفي الاتحاد المغاربي وهما الهيئتان اللتان تجاوزتهما مصر ولم تأخذ موافقتهما قبل الإقدام على هذه الضربة العسكرية المتهورة. إن الحقيقة الكامنة وراء هذا العدوان المصري على ليبيا، هي أن السيسي حين أعطى أوامره بهذه العملية المتسرعة، لم يكن يهدف لتحقيق سوى هدف واحد، وهو حفظ أركان نظامه من الانهيار والرفع من شعبيته في أوساط الشعب المصري، بعد أن انحدرت إلى الحضيض، إثر فشله الذريع في حماية أرواح المصريين وفي تحقيق الأمن والاستقرار داخل مصر، حيث لا يكاد يمر يوم دون أن تهتز البلاد على وقع عملية إرهابية تحصد أرواح المواطنين الأبرياء، ناهيك عن فشله الكبير في تجاوز الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة التي يعيش على وقعها المصريون رغم حصوله على منح ومساعدات ضخمة فاقت 30 مليار دولار من دول الخليج الداعمة له. لكن هذه البطولة الزائفة سوف تبنى على جماجم الأبرياء، بعد أن حصدت الطائرات المصرية أرواح الأطفال الليبيين، وهو ما ينذر بغرق المنطقة في مزيد من الدماء، بعد أن أصدر ثوار فجر ليبيا بيانا يعطون فيه للمصريين مهلة 48 ساعة من أجل مغادرة ليبيا، وإلا فسيكونون عرضة للانتقام