يجتاز المغرب وفرنسا، أزمة دبلوماسية غير مسبوقة منذ نحو عام، فبعدما رفعت فرنسا شكوى على مسؤولين مغاربة كبار، وإيقاف الرباط التعاون القضائي، بالإضافة إلى تأثر التعاون الأمن، بالرغم من أن البلدين يخوضان صراعا طويلا ضد الحركات الجهادية، إلا أنه وقبل أيام قليلة أعلن وزير الخارجية صلاح الدين مزوار الاثنين زيارة باريس "هذا الأسبوع" للقاء نظيره لوران فابيوس من أجل تجاوز الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، على أن تجرى هذه الزيارة الجمعة، كما ذكرت وزارة الخارجية الفرنسية، بالإضافة إلى استدعاء وكيل الملك بالرباط أمرا إلى الشرطة القضائية بإحضار زكريا مومني وعادل لمطالسي قصد التحقيق معهما في تهم السب والتشهير باتهامات باطلة ومهينة اتجاه المسؤولين المغاربة والسلطات خاصة أن المتهمين يقيمان في فرنسا. فهل ستجاز فرنسا والمغرب هذه الأزمة؟ وهل ستقبل فرنسا بتسليم المطولوبين للعدالة المغربية؟ "شبكة أندلس الإخباية" أجرت حوار مع عبد الفتاح الفاتحي باحث في قضايا الصحراء والمغرب العربي حول الموضوع سؤال: ما هي قراءتك للزيارة التي يقوم بها وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي صلاح الدين مزوار إلى باريس للقاء وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس؟ شكلت أحداث باريس حدثا فارقا في العلاقة بين المغرب وفرنسا على المستوى الأمني والقضائي والإستخباراتي، وأكدت أن مصلحتي البلدين الاستراتيجية أكبر بكثير من أن تتأثر بمساطر قضائية مشخصنة. وفي هذا السياق نسجل هذا التحرك الدبلوماسي بين البلدين بإعلان رئيسي دبلوماسية المغرب وفرنسا تبادل زيارات في الأمد المنظور لاحتواء الأزمة بين البلدين وإعادة التعاون المتوقف بينهما في مختلف القضايا وخاصة في مجالي الأمن والتعاون القضائي. وإن بدت فرنسا فيما بعد عهد ساركوزي أن المغرب لم يعد بالنسبة لها ذي أهمية استراتيجية قصوى إلا أن توقف تعاونهما لقرابة سنة إضافة إلى مأساة شارلي إيبدو أعادت لتؤكد لها بأن المغرب يبقى عصبا أمنيا وسياسيا ودبلوماسيا قويا لفرنسا في المنطقة المغاربية والإفريقية. ويبقى هذا التطور أستراتيجية مغربية لاستعادة موقع المغرب الاستراتيجي في سياسات فرنسا على أسس جديدة تتجاوز ما قال عنه صلاح الدين مزوار الوصاية الفرنسية على المغرب، وتثبيت معايير جديدة لأسلوب التعاون المستقبلي بين البلدين. ومهما يكن فإن فرنسا في حاجة إلى المغرب في قضايا استراتيجية حيوية تخص أمن الاتحاد الأوربي أكبر بكثير من تعاون ثنائي لدعم قضائي وأمني واستخبارتي تبين أنه كان مفيدا من الناحية المبدئية بالنسبة لفرنسا على خلفية حادث مجزرة شارلي إيبدو. وعليه، فإن الحاجة الفرنسية إلى المغرب تبقى مهمة على المستوى الدبلوماسي والسياسي لفرنسا، إذ لا ننسى التحالف المغربي مع فرنسا في قضية مالي وإفريقيا الوسطى على مستوى مجلس الأمن الدولي، ومواكبة المغرب لفرنسا في دعم سياسي وعسكري ولوجستيكي بعد العمليات العسكرية الفربنسية في مالي وفي إقريقيا الوسطى والذي يتواصل إلى حدود الآن. ويتحمل المغرب ويلات مساعدته لفرنسا لاستثبات الأمن في إفريقيا الوسطى، حيث تتهمه جهات إسلامية جزائرية بأن المغرب يناصر الصليبيين في حرب لقهر وإبادة مسلمي إفريقيا الوسطى. فضلا عن ذلك فإن المغرب مهم لفرنسا لدعم اقتصادياتها المتداعية بسبب الأزمة الاقتصادية والعالمية وتراجع نسبة نموها، فيما تمتلك فرنسا العديد من الاستثمارات الفرنسية الناجحة في المغرب. كما أن المغرب مهم بإسلامه المعتدل في تيسير إندماج الجاليات الإسلامية في فرنسا وأوربا ومحاور مهم وجيد وموثوق في تجربة الدينية المعتمدة، في وقت اقتنع فيه الإتحاد الأوربي بضرورة الحوار مع الدول العربية لتجاوز مشكلات الإرهاب التي تهدد الأمن والاستقرار الأوربي بسبب الجالية المسلمة التي يخترقها الفكر المتطرف. سؤال: أعطى وكيل الملك لابتدائية الرباط أمرا إلى الشرطة القضائية بإحضار زكريا مومني وعادل لمطالسي قصد التحقيق معهما في تهم السب والتشهير باتهامات باطلة ومهينة اتجاه المسؤولين المغاربة والسلطات. علما أن المتهمين يقيمان في فرنسا ، هل ستقبل فرنسا بتسليم المطولوبين للعدالة المغربية؟ ولأن العلاقات المغربية الفرنسية تبقى أكبر من مجرد التحقيق في شكايات لها مساطرها القانونية المعتادة، كل ذلك يجعل من المستغرب رهن مصالح استراتيجية ليس للبلدين فقط بل لكامل أوربا. وإذا كان المبدأ في العدالة سموها عن المصالح الشخصية مهما تكن صفات ورتب أطرافها، إلا أن ذلك يجب أن يتم بحسب الأعراف المستطرية والدبلوماسية الجاري العمل بها من تسييسها بحيثيات ترهن مستقبل أمتين يحتاجان إلى تعاون وثيق لتجاوز تحدياتهما الأمنية والاقتصادية متعاظمة. الأمر الذي يفرض على البلدين تغليب القضايا الاستراتيجية وفق ضوابط موضوعية تسمو على الأشخاص وتقدس الأمن القومي والإستراتيجي للبلدين. فأما أن نرهن تعاونا أمنيا وقضائيا واستخباراتيا بين دوليتين هامتين في المنظومة الأمنية الدولية. ذلك أن التعاون المغربي الفرنسي حتمي بما لا يعرض المصالح العليا للبلدين إلى خطر كبير. والحالة هذه، فلا أعتقد أن إجراءات قضائية عادية يمكنها أن توقف حتمية تجاوز خلافات بلدين لم تكن خلافات ذات وجاهة بكل المقاييس الإستراتيجية والإقتصادية والقضائية، ولذلك أتوقع أن البلدين سيعليان حاجتهما إلى بعضهما البعض في الكثير من القضايا الاستراتيجية التي تجمعهما في أفق إعادة تطبيع شامل لعلاقات البلدين.