تثير المعارضة كل مرة في البرلمان وفي كل منبر يتاح لها الجدل واللغط الكثيف حول عجز الحكومة (يقصدون الحزب الحاكم) عن محاربة المفسدين. ويستغرب جميع المغاربة كيف لهذه الأحزاب التي حكمت المغرب لعقود من الزمن حتى أغرقته في كل أصناف الفساد أن ترفع شعار محاربة الفساد وتثير هذا الجدل واللغط الكثيف؟ ربما يظن كثير من الناس أن هذه الأحزاب العفنة بالفساد منذ الاستقلال إلى اليوم قد تابت عما اقترفته من الجرائم في حق الشعب المغربي وأنها جادة في تطهير أجسادها الحزبية عندما تطلب وزير العدل والحريات بالكشف عن أسماء المفسدين، أو بوضع استراتيجية لمحاربة شاملة للفساد. ليس الأمر كذلك وإنما هو تحد للحزب الحاكم، كأنهم يقولون: حاربونا نحن المفسدين ولن تفعلوا أبدا! هاتوا استراتيجيتكم ولن تاتوا بها أبدا! لأننا هنا في البرلمان قاعدون وهناك في دواليب الحكم والحكومة فاعلون! ليس غريبًا على أحزاب فاسدة مفسدة أن تستهزئ بحزب العدالة والتنمية لأن الشعب إلى حد الآن لم يلحظ بشكل ملموس محاكمة وزير العدل للمفسدين الكبار.. ليس غريبا هذا التحدي لأن الأمر كله في قبضة المفسدين القوية. إنهم في الحقيقة وكمعارضة وإن لم يكونوا في الحكومة فهم الفاعلون الرئيسيون لمنع قراراتها الاستراتيجية، فهم المالكون للوسائل السياسية والاقتصادية والإعلامية لإسكات أصوات الإصلاح من داخل الحكومة وخارجها. لذلك ليس مثيرا للدهشة أن يتجرأ زعيم الفساد على اتهام رئيس الحكومة بالتخابر مع إسرائيل والانتماء للتنظيم الإرهابي وتمر الأمور بردا وسلاما عليه! أبعد هذا الاتهام الخطير دولة الحق والقانون؟! أليس الفساد بهذه القوة حيث يعجز الحاكم عن الدفاع عن نفسه بقوانين العدل والحريات؟! فأين الخلل إذن ؟ إن هذه الحقيقة مثلما تضع مسؤوليات كبيرة على رئيس الحكومة أو وزير العدل في تردده وقصر يده عن ردع المفسدين بإظهار دولة الحق والقانون وتنزيل الدستور، تسلط الضوء على الانتكاسة التي تعانيها الحكومة أو الحزب الحاكم وحده ربما بتآمر بعض المحسوبين على المساندة من الداخل والخارج ضد الاصلاح الحقيقي والتغيير المنشود. إن هذا القول ليس تشاؤما كما قد يفهم البعض منه، وليس تثبيطا للعزائم كما قد يظن الأصدقاء والزملاء في الدرب؛ وإنما هو توصيف للواقع الذي يجب أن نعترف به، ويجب أن يعيه الشعب المغربي جميعه. وهذه الحقيقة فرع من حقيقة أخرى لابد من الوعي والاعتراف بها وهي أن الانتقال من الفساد إلى الاصلاح فيه من العراقيل ما فيه ولو كان المصلح نبيا. إن المهم والشرط الأساسي لكل إصلاح هو أن يبدأ الإصلاح ببداية وعي الشعب بالإصلاح؛ لأن المصلح الكيس العاقل لا يستمد جرعاته الاصلاحية إلا من مقدار وعي الشعب وتأييده وثقته مصداقا لقوله تعالى "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (الرعد:11). فالأمل كل الأمل في عزيمة المصلحين وإصرارهم على التميز والثبات على الحق. قال المتنبي: على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم