قال المخرج المغربي محمد مفتكر إن فيلمه الجديد الذي يشارك في المسابقة الرسمية للدورة 14 لمهرجان مراكش، بمثابة تصفية حساب مع ماض شخصي ظل يلازمه منذ فقدان والده في سن مبكرة. وأوضح مفتكر، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، عقب عرض الفيلم، أمس الأربعاء، أنه لم يتقبل فكرة رحيل والده إلى الأبد وهو بعد في 13 عاما من عمره، فجاء هذا الفيلم بمثابة فعل تحرر من ثقل هذه الذاكرة المعلقة، ذلك أن الفيلم يحكي على لسان طفل سيرة العلاقة المركبة مع والده، العازف في جوق شعبي، خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي، الطافحة بالأحداث والتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية، قبل أن يفقده سريعا. فكرة تسكن الفنان، هاجس يستبد بخواطره، هو ما يعطي للعمل السينمائي حظ النجاح، وإلا فإن الأفلام التي تنطلق من نظريات مفتعلة تبقى "عقيمة" وتسلك الطريق الخطأ للإبداع، حسب المخرج الذي يقدم الفيلم كمزيج بين عناصر بيوغرافية وأخرى متخيلة تعيد رسم المحيط الاجتماعي والسياسي الذي تتحرك فيه الشخصيات. وهكذا يحدد مفتكر مكمن العمل الإبداعي في الانتقال من الواقع الى المتخيل، من الكائن الى الممكن، من التجربة الشخصية المعيشة الى عالم درامي يختزن عمق السيرة الجماعية. وعن مزيج الأنواع السينمائية في فيلم "جوق العميين"، يشدد محمد مفتكر على أنه لا يعد خيارات مسبقة بشأن حضور البعد الكوميدي أو الدرامي أو غيره، بل يفسح المجال أمام حركة الشخصيات وتفاعلها لإنتاج الموقف المناسب، سواء اتخذ طابعا كوميديا أو دراميا. ويبدي المخرج، الذي يعده النقاد أحد أبرز المواهب الإخراجية بين أبناء جيله، ارتياحه لأداء الطاقم التمثيلي الذي اشتغل معه في الفيلم، وهو بطولة جماعية جمعت أشهر الممثلين والممثلات المغاربة، ما يطرح تحديا حول أسلوب الإدارة الفعالة للطاقم وخلق نص حواري وتفاعلي ذي طابع نسقي بين الشخصيات. غير أن مفتكر يثني على حسن استيعاب مجموعة "الممثلين الكبار" لرؤاه ومقترحاته الفنية، وانخراطهم القوي من أجل إنجاح المشروع. فالفيلم يجمع بين يونس ميكري، إلياس جيهاني، منى فتو، محمد بسطاوي، فدوى طالب، ماجدولين الإدريسي، سليمة بنمومن، محمد بسطاوي، فهد بنشمسي، عبد الغني الصناك، محمد اللوز، سعاد النجار وعلية عمامرة، فضلا عن محمد الشوبي. ثلاث سنوات بعد إنجاز فيلمه الطويل الأول "البراق"، يعتبر محمد مفتكر أنها ربما تكون المدة "المعقولة" التي تناسب أسلوبه في التحضير للعمل السينمائي، قبل وأثناء وبعد التصوير، والذي ينسجم مع حرصه على إنضاج المشروع السينمائي بروية وحرص على التفاصيل. ويستدعي مفتكر في هذا الفيلم الطويل، الثاني له بعد فيلم "البراق"، مرحلة بداية السبعينيات، لرسم لوحة متعددة الأبعاد، اجتماعية وثقافية وسياسية، وقبل ذلك سير-ذاتية. هو مزيج بيوغرافي ومتخيل، ينطلق من الذاكرة الشخصية إلى التجربة الجماعية، من خلال تسليط الضوء على سيرة فرقة شعبية، بأجوائها وأنماط علاقاتها الخاصة. قصة الحسين، قائد فرقة موسيقية شعبية، الذي يعيش مع زوجته حليمة في منزل عائلة هذه الأخيرة، منزل يتخلله صخب كثير من إيقاعات الفرقة الموسيقية والراقصات الشعبيات "الشيخات". هكذا يتوزع مسرح الأحداث بين الحسين (يونس ميكري)، العازف الذي عاش اليتم مبكرا، ويريد أن يصنع من ابنه محمد أو ميمو، رجلا ناضجا وناجحا، حليمة (منى فتو)، زوجته المحبة التي تعاني أحيانا من قساوته المرتبطة بتنشئته الصعبة، الأخ، عبد الله (فهد بنشمسي)، الشاب المتعلم ذو الانتماء اليساري الماركسي الناقم على الأوضاع، والذي يشكل النموذج المثالي الذي يغري ابن أخيه، الطفل ميمو، ومصطفى، رفيق الحسين في الفرقة (محمد بسطاوي) الذي يمارس الموسيقى سرا بالنظر الى إطاره الوظيفي.