راهن الجميع في وقت سابق على أن ورزازات هي الأجدر كي تكون عاصمة لجهة درعة تافيلالت، إلا أن العمل على دعم هذا الاقتراح لم يتم بالشكل المطلوب ولم يصل إلى مستويات من الضغط على صناع القرار ما دامت الوسائل الديموقراطية غير مفعلة في هذا الاتجاه. منذ عرض اللجنة المكلفة بالجهوية الموسعة لرأيها الاستشاري في هذا الصدد، وبناء على أهداف حددت سلفا للوصول إلى مقترح أتى بتقطيع جديد وجهات أقل، لم يعمل أحد على مناقشة عميقة لهذا المقترح والكل يتذكر السياق الذي جاء فيه، حيث كانت التيارات ذات التوجه الاستبدادي في عز نشوها وعلى يقين من أنها قادرة على تمرير أي تصور من شأنه أن يخدم خططها في غياب واضح للمنهجيات الديموقراطية المتبعة في مثل هذه القرارات الاستراتيجية التي ستحدد مصير الوطن والمواطنين لعقود قادمة. بل إن الآليات التي جاءت لتفعيل المقترح أتت أقل حتى من السقف الذي جاء به الخطاب الملكي. أشهر قليلة بعد ذلك، كان الموعد مع أحداث الربيع، و الكل شاهد على قوة و تداعيات ما حصل حينها و لا زال التأثير قائما، و كان لخطاب 9 مارس رأيه في موضوع الجهوية الموسعة لعل اهمها تغيير الدستور بما يتلاءم مع تصور آخر لتدبير المجال الترابي، و منذ ذلك الوقت جرت مياه كثيرة تحت الجسر، و لم تكن لأحد الشجاعة على طرح أي بديل لما جاءت به لجنة عزيما حول الجهوية، بديل يطرح أولويات الديموقراطية و التنمية بدل الهاجس الأمني الواضح و المبني على التحكم و الولاء المطلق للمركز الذي لم يتخل عنه مشروع وزارة الداخلية الحالي. بلدنا ونخبنا صارت بطلا بدون منازع في تضييع الفرص، ولو كان الجميع يحمل وعيا بأن فرصة الجهوية الحقيقية ستكون مدخلا أقصر نحو مغرب بمؤسسات قوية وقابلة للمحاسبة، لما اقتصر النقاش اليوم فيما ما هو مرتبط بمصالح انتخابية ليس إلا، ولما اقتصر الرأي العام على مناقشة الخرائط والعواصم، لأن الجدير بالنقاش بعد كل هذا هو ضخ دماء الديموقراطية في شرايين التنمية، تنمية ترى في الإنسان والأرض عاملا أساسيا للتقدم والمنافسة على مكانة أفضل للمغرب بين الأمم. وها هي ورزازات اليوم تخلف موعدها مع التاريخ، وهي التي وصفت بانها عاصمة السينما وعاصمة الطاقة الشمسية، لم تحظ بشرف احتضان مقر الجهة الجديدة التي اختيرت حاضرة تافيلالت الرشيدية لتكون عاصمة لها. سبق لي ان طرحت في مقال سابق مجموعة من المعطيات التي قد تساهم في ترجيح كفة ورزازات لتكون مقرا للجهة، مع أن المقترح السابق مختلف قليلا عن التقسيم الحالي حيث تم ضم فكيك إلى الجهة الشرقية، والمعلومات القادمة من هناك تشير إلى رفض ممثلي المنطقة لأي فك لارتباط إقليمهم بوجدة، ومن هنا تبدو إمكانية التفاوض لتغيير ما يمكن تغييره لو كان عمل المعنيين بالأمر جادا وبالقدر المطلوب. ففيما يخص الموقع الجغرافي لورزازات، حيث يتحدث البعض عن موقع المدينة التي ستحتضن المقر، و ضرورة تواجده عند منتصف الطرق نحو حدود الجهة، غير أن اعتمادنا على هذا المعطى سيجعل من برشيد عاصمة لجهة الدارالبيضاءسطات بدل الدارالبيضاء الغنية طبعا عن التعريف، أو سيجعل تاوريرت عاصمة لجهة الشرق الريف بدل وجدة أو الناظور مثلا، أما جهة الرباطسلاالقنيطرة فالأحقية لسيدي سليمان على عاصمة المملكة ان اعتمدنا على نفس المعطى، و المدافعون عنه يبررون ذلك بتسهيل التنقل نحو المركز، ظاهريا هم على حق لكن التفاصيل و المنطق عكس ذلك تماما، فمدينة ورزازات تحوم في فلكها أزيد من خمسين جماعة كثافة سكانها تتجاوز 25 في كلم مربع، بينما مدينة الرشيدية محاطة تقريبا بخمسة عشر جماعة بكثافة أقل. النسبة المرتفعة نسبيا للكثافة السكانية تتطلب كثافة المواصلات، فعدد الكيلومترات الطرقية بورزازات الكبرى يضاعف عددها بمنطقة الرشيدية، و تصل النسبة الى 6 كلم في كل 100 كلم مربع، أي أقل بقليل عن المعدل الوطني (8 كلم في كل 100 كلم مربع حسب احصائيات 2008). أما فيما يخص المعطيات المتعلقة بالقطاعات الإنتاجية ولنبدأ بالصناعة، حيث الشركات الصناعية بورزازات يتجاوز عددها ورقم معاملاتها ثلثي ما هو موجود بالجهة الجديدة، رغم ضعف المنتوج الصناعي الموجه للتصدير، إلا أن المشروع المرتقب للطاقة الشمسية سيجعل من وحدة الإنتاج بورزازات قادرة على توفير ما يناهز 11% من حاجيات المملكة من الطاقة الكهربائية ابتداء من 2015، ناهيك عن الإمكانيات المعدنية التي تزخر بها المنطقة لو تم استغلالها بشكل جيد وهذا موضوع آخر سنسعى للوقوف عنده لاحقا. مشروع الطاقة الشمسية تطلب انشاء سد جديد بمنطقة "تيويين" لينضاف لسد "المنصور" قصد دعم متطلبات وحدة الإنتاج الطاقية ب 6 ملايين متر مكعب من المياه، وتوفير الماء الصالح للشرب بمعدل 20 مليون متر مكعب في السنة، وتعبئة جزء هام من مياه سد "المنصور" لصالح القطاع الفلاحي قصد الوصول ببعض المنتوجات المحلية الى 300% وفق برامج مخطط المغرب الأخضر. فيما يخص السياحة تعتبر ورزازات وجهة وملتقى وممرا رئيسيا نحو المناطق السياحية الأخرى بالجهة، وبالرغم من تعثر هذا القطاع بها فإنها مرشحة لتكون قطبا هاما ورئيسيا وفق رؤية 2020، وتميزها بقربها من الأقطاب الرائدة كمراكش وأكادير، والكل يعلم أهمية البنية الفندقية والمرافق الموجهة لسياحة الأعمال المتمثلة أساسا في توفر المدينة على أكبر قصر للمؤتمرات في جنوب المغرب ككل. أما القطاع السينمائي فليس تميزا جهويا فقط، بل هو تميز دولي يضع المغرب ضمن البلدان الأكثر جاذبية للإنتاجات الضخمة، ورغم التراجع الذي عرفه في وقت سابق إلا أن البنيات التحتية المتوفرة والمبرمجة مستقبلا ستجعل ورزازات القبلة الأولى للتصوير السينمائي بأفريقيا بفضل مشروع المنطقة الصناعية المندمجة للسينما والأستوديوهات الجديدة ب "فينت". حديثنا عن مجموعة من المشاريع المبرمجة ليس من باب الانتظارية و لكن لتوضيح الوضع الاستراتيجي الذي انتبهت إليه الدولة خصوصا بعد زيارات ملكية سابقة لمدينة ورزازات و ما تبعها من اهتمام الفاعلين العموميين و الخواص رغم بطئه و تأخره، و قد سنحت لي بعض الفرص لاستطلاع مواقف رجال الأعمال المغاربة و الأجانب الذين زاروا ورزازات و أكدوا، بعد اطلاعهم على امكانياتها، على تصنيفها ضمن المناطق الواعدة اقتصاديا لولا عزلتها الطرقية و الجوية و هجرة كفاءاتها، و من هذا المنطلق نرى أن تشريف ورزازات بقيادة جهة درعة تافيلالت سيزيح عن الدولة كل المبررات التي أخرت ربط السفح الجنوبي للأطلس الكبير بمراكش بواسطة النفق، الذي اعتبره مسؤولون بمثابة مشروع ميناء طنجة المتوسط من حيث الأهمية الاستراتيجية، هذا المشروع الضخم الذي يتوقع أن تصل تكلفته إلى أزيد من عشر مليارات درهم، بطول يزيد بقليل على عشر كيلومترات داخل الجبال و 12 كيلومترا إضافية لربط النفق بالطريق الوطنية رقم 9 التي انطلقت بها أشغال التوسعة. النفق الذي من شأنه أن يفتح آفاقا أوسع لكونه سيربط شمال المملكة بجنوبها وسيدفع بمشاريع طرقية أخرى بين ورزازات والنواحي لإنجازها. في انتظار فك العزلة الطرقية جرى فك الحصار عن رحلات جوية دولية من وإلى مطار ورزازات بعد ان تم حل مشكل الربط بينها وبين الدارالبيضاء وزاكورة وباريس، وإعداد خطوط جديدة من ووالى مراكش ومدريد. سيكون طبعا لدى الرشيدية ما يبرر احتضانها لمقر الجهة، ولزاكورة وتنغير أن تدافع عن حقها أيضا، لكن امكانيات ورزازات لا تخفى على أحد، ومن حقنا أن ندافع عن أحقيتها، ولعلها بداية تنافس مرتقب بين طرفي درعة-تافيلالت، و التمرين الأول للنخب و القوى الحية بورزازات يبدأ الآن، فالوضع قابل للتغيير إن نحن تخلينا عن الانهزامية والقبول بالأمر الواقع.