ليس من السهل أن يقوم السياسي بحرق رصيد 15 سنة من النضال في صفوف حزب معين، خاصة إذا كان قد بلغ داخله صفوفا متقدمة. وهو بالضبط ما أقدمت عليه المستشارة فاطمة محمد بتقديم استقالتها إلى مقر الحزب في إشبيلية، وصاحت بعد أن أقدمت على التضحية بجزء من حياتها "وأخيرا انا حرة". كان تصريح رئيسة جهة مدريد في قضية حجاب نجوى بأنه "لاينبغي السماح بتغطية الرأس في المراكز التعليمية"، بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، وشعرت فاطمة محمد و هي المدافعة الغيورة عن الحجاب أنها بين غرباء وكطائر في غير عشه، وأن احتفاظهم بها في الحزب لايعكس سوى إرادة توظيف منافقة تريد بيع صورة كاذبة عن اختيار الحزب للتعايش و الاندماج. لكن فاطمة لم ترض بتحويلها إلى إيقونة ضمن أثاث الحزب تستدعى بين الفينة و الأخرى لتؤخذ معها صورة يوثق بها زعماء الحزب الشعبي ادعاءاتهم حول التعايش والانفتاح، وقامت في أوج الحملة الانتخابية لسنة 2008 بتصريح للصحافة رفضت فيه بكل قوة التقنين المجحف لاستعمال الحجاب الذي كان يعده الحزب الشعبي، وهنا تخطت الخط الأحمروصاحت بها الأصوات من أعلى السلم "ولا مقابلة واحدة انتهينا". ثم عزلت داخل الحزب وغلقت دونها الأبواب. والبارحة لم يتقدم أي زعيم إلى مقر الحزب ليستفسر عن موقفها وأسبابه، في قرارة أنفسهم كانوا يريدون التخلص من الحجاب المتمرد على دوره. قامت فاطمة بعدة محاولات لفك الحصار عنها فراسلت ماريانو راخوي رئيس الحزب في يناير الماضي لكنه قابل مايراه غطاء رأس متمرد باللامبالاة، ولم يكن موقف المسؤول الجهوي الأندلسي بأحسن حالا، وفي مارس جربت اللجوء إلى نساء الحزب فراسلت الكاتبة العامة للحزب لكن أنوثتها لم تشفع لها عندها. تقول فاطمة بمرارة "هم كانوا يريدون دمية، يتحدثون عن الاندماج ولكن كل ما يقال كذب، لاوجود للاندماج، لأنني منحت كل شيء للحزب الشعبي ولم يسمحوا لي بالاندماج". وكانت المستشارة المسلمة ببلدة خينيس، فاطمة محمد، والمنحدرة من مدينة مليلية، قد أكدت في تصريح لأندلس برس غداة استقالتها من الحزب الشعبي الإسباني اليميني، بسبب مواقفه المعادية للحجاب الإسلامي، أن إسبانيا ستشهد بعد عطلة الصيف المقبلة "معركة حامية الوطيس" حول قضية الحجاب في المدراس. وك"شاهد من أهلها" توقعت المستشارة الإسبانية أن تقوم عدة مؤسسات تعليمية، خاصة تلك التي تقع في مناطق تحت سيطرة الحزب الشعبي، بتغيير قوانينها الداخلية لمنع الفتيات المسلمات من ارتداء الحجاب وذلك لتأجيج الصراع السياسي وربح أصوات الناخبين على بعد أشهر فقط من الانتخابات البلدية المزمع إجراءها خلال السنة المقبلة. ودعت فاطمة محمد المنظمات والهيئات الممثلة للمسلمين بإسبانيا للتصدي لهذه الحملة التي ترمي إلى المس بحق يضمنه الدستور الإسباني ألا وهو حرية الإعتقاد والتدين وكذا حق الفتيات المسلمات في التمدرس بغض النظر عن طريقتهن في اللباس.