"الاستقرار...ميزة الاستثناء المغربي" ،" الاستقرار...الرأسمال المغربي المربح"،"الاصلاح في اطار الاستقرار...المعادلة التي جنبت المغرب كل المساوئ" هذه المقولات و مثيلاتها هي ايقونات الخطاب السياسي المعاصر في المغرب،و هي و لا شك، تعكس الاحساس الجمعي للمغاربة في سياق اقليمي متفاعل ميزته الاولى "اللاستقرار". غير ان توظيف مفهوم الاستقرار في التداول السياسي يحيل حتما على حالة استتباب الامن و العمل السلس للمؤسسات و فرض الدولة لهيبتها باعتبارها تعبيرا اسمى عن الارادة الجماعية المعبر عنها بالطرق القانونية. السؤال المطروح:هل يربط الناس الاستقرار بالأمن في معناه الضيق:اي امن جسدي يطمئن من خلاله المواطن على حياته و سلامته و هو خارج بيته يمارس حياته العادية؟ لاشك ان هذا النوع من الامن هو مركزي و اساسي لتكريس الشعور بوجود طرف قوي قادر على توفير الحماية و الحد من نزعات الاستقواء و الاجرام و الاعتداء،هذا الطرف يتمثل في الدولة من خلال اجهزتها الامنية المختلفة،غير ان الامن يكتسب ايضا معاني اشمل و اعمق تحيل على ماهو اقتصادي و اجتماعي و روحي،فالشاب العاطل عن العمل و الذي يعيش في وسط اجتماعي هش لا تتوفر فيه ابسط مقومات الحياة الكريمة،لا يستشعر الامن في معناه الاول،مما يولد شعور الحقد الذي يؤدي تناميه الى تهديد هذا الامن من خلال ظواهر الانحراف و الاعتداءات و السرقات ،كنتيجة لانعدام الامن النفسي الذي يرتبط اساسا بالاعتبارات الاقتصادية و الاجتماعية. انها المتلازمة التي لا يجب ان نغفل عنها و نحن نحتفي بالاستثناء المغربي القائم على الاستقرار:لا يمكن للاستقرار ان يستمر و يتجذر و ينأى عن التهديد الذي قد يعصف به في اية لحظة دون تثبيت و تجذير و تمنيع بناء الدولة الديمقراطي و الاقتصادي و الاجتماعي.فتونس عشية الثورة كانت مستقرة امنيا ،يفوق فيها عدد المخبرين و رجال الامن عدد المواطنين انفسهم،غير ان مشاعر الغبن و الظلم الاجتماعي سرعان ما دفعت الناس للشوارع مضحين بالأمن و الاستقرار الظاهري،باحثين عن العدل و الكرامة و الحرية،و كذلك حدث في دول لم تعد تملك اليوم مقومات الدولة و هي تعيش حالة الفوضى و العنف المتبادل من طرف الجميع، بعد ان كانت الدولة الطرف القوي الوحيد الذي يحتكر العنف. لقد اتفق الجميع على حق الدولة في "احتكار العنف المشروع" بتعبير ماكس فيبر، للقضاء على باقي مصادر العنف داخل المجتمع لتحقيق التوازن و التعايش.غير ان علاقة الدولة بالعنف ،ظلت دائما ملتبسة خاصة في الدول غير الديمقراطية التي عجزت عن خلق المصالحة بين المواطن و رجل الامن ،حيث يفترض الاساس الفلسفي لعنف الدولة، علاقة امتنان بين المواطن و رجل الامن الذي يسهر على حماية الناس و امنهم . و مادام المواطن لا يقدر رجل الامن او يتوجس منه او يحقد عليه، فثمة وضعية غير طبيعية تستوجب اعادة النظر. لقد شكك ماركس في قدرة الدولة على احتكار مشروعية العنف حينما لا تكون مستقلة عن التناقضات الطبقية التي تخلف الصراع و العنف المؤسس على اعتبارات اقتصادية،لان الطبقات الاجتماعية الاكثر فقرا و هشاشة ،تعتبر الدولة مسؤولة عن وضعيتها،و مسؤولة في المقابل على اغناء الاكثر غنى و امتلاكا.حينها ينفض التعاقد القائم على تسليم الجميع باعتبار الدولة حكما يلجأ الى الوسائل التي يراها ضرورية لتحقيق الانصاف ،و لو كانت الوسيلة هي العنف.و هو ما يتطلب تبديد الاعتقاد السائد بكون الدولة خصم و حكم في الوقت نفسه. لقد كفل دستور 2011 الامن و السلامة الجسدية للمواطن،كما احدث مجلسا خاصا في الفصل 54 و هو المجلس الاعلى للأمن يسهر ضمن ما يسهر عليه ،على مأسسة ضوابط الحكامة الامنية الجيدة. و ان كانت هذه الضوابط الكفيلة بتحقيق حكامة امنية جيدة يحتاجها المغرب ، لم تحظ بعد بالقدر الكافي من النقاش العمومي،فان ما نعيشه اليوم من ظواهر اجتماعية تفرض علينا جميعا فتح نقاش موسع حول ملامح الحكامة الامنية المنتظرة في سياق دستوري يعلي من شأن الحقوق و الحريات ضمانا للاستقرار الذي نريد.